مكتب سفارة تونس (RUEHTU)وثيقة رقم : #0679/01 1751355
تاريخ: 23 – حزيران – 2008 الساعة 13:55
من: السفارة الأمريكية في تونس
إلى: وزارة الخارجية واشنطن
التصنيف: سري TUNIS000679
ترسل عن طريق SIPDIS شبكة راوتر بروتوكول الانترنت السرية
ترسل نسخ إلى : …..
العنوان : الفساد في تونس : ما هو لك ،لي
مراجع : …..
صنفها: السفير روبرت غوديك للأسباب ب 1.4 و ث
ملخص:
أوّلا: استنادا إلى التقرير السنوي لمنظّمة الشفافية العالمية وملاحظات مصادر السفارة، فإن الفساد المالي في تونس في تفاقم مستمر. فسواء كان الأمر متعلقا بالسيولة المالية أو الخدمات أو الأراضي أو الممتلكات أو حتّى يختك (زورقك)، فإنّ عائلة الرئيس بن علي اشتهرت بطمعها فيها ولا بدّ أن تحصل على كل ما تريد بشتى الطرق.
إضافةً لحكايات العائلة الحاكمة الغامضة، فإنّ التقرير عن التونسيين يشير إلى انخفاض في مستوى الفساد بسبب تداخل عمل الشرطة والجمارك وعدد من الوزارات.
ويبدو الوقع الاقتصاديّ لهذا الواقع واضحا على المستثمرين التونسيين، الذين يخشون الذراع الطويلة “للعائلة”، فيفضّلون تجنّب الاستثمار في مشاريع جديدة، الأمر الذي يجعل من نسق الاستثمار الداخلي منخفضا ونسبة البطالة عالية (المرجع خ . د)
هذه الأنباء المتواترة عن الفساد، متفاعلة مع التضخّم المتزايد ونسبة البطالة المتصاعدة، ساعدت على مزيد من التوتر في العلاقة مع الحكومة التونسية، وأسهمت في الاحتجاجات الأخيرة بالجنوب الغربي التونسي (مرجع أ)
نعتقد أن من ذكروا أعلاه هم أسوأ المنحرفين، ويطيب لهم البقاء في الحكم. ولا نرى أنّ هذا النظام يمكن إصلاحه
نهاية الملخّص
—————–
نهاية الأفق
——————-
ثانيا(س)
استنادا لمؤشّر منظّمة الشفافية العالمية لسنة 2007، فإنّ توقّعات الفساد في تونس تزداد سوءا.
فقد تراجع ترتيب تونس من 43 سنة2005 إلى 61 سنة2007 متخلفة عن 179 دولة بحصيلة نقاط4.2 (1 للأكثر فسادا و10 للأقلّ).
ورغم أنّه من العسير ضبط أرقام دقيقة عن الفساد والتثبّت من نسبه، فإنّ مصادرنا جميعها تؤكّد أن الوضع يتطوّر في الاتجاه السيّئ.
وحين سؤل عن الفساد أهو في تراجع أم في تفاقم أم باق على حاله، أجاب xxxxxxx بيأس: “طبعا هو في تفاقم”، معلنا أن الفساد لا يمكنه أن يزيد لكنّ المجرمين يبحثون عن مزيد ومزيد من فرص جديدة. مضيفا بدعابة عن التضخّم أن حتّى تكلفة الرشوة ارتفعت “فعنصر أمن يوقفك على الطريق في دورية مرورية كان لا يكلّفك سوا 20 دينارا والآن أصبح يكلّف أكثر من 40 أو 50 ديناراً”
—————–
كلّ شيء داخل العائلة
—————–
ثالثا : كثيرا ما تُذكر العائلة الموسّعة للرئيس بن علي على أنها معقل الفساد. وبما أنّها كثيرا ما تشبّه بالمافيا، فإن مجرّد إشارة غامزة إلى “العائلة” تدلّ على أيّ عائلة تقصد. وعلى ما يبدو، فإنّ نصف رجال الأعمال التونسيّين يستطيعون الارتباط ببن علي عبر المصاهرة، كما أن الكثير من هذه العلاقات استفاد أصحابها من هذا الارتباط.
وتثير زوجة بن علي – ليلى – وعائلتها الواسعة – آل الطرابلسي – نقمة شديدة لدى التونسيين. وكثيرا ما تردّد تلميحات حول فساد آل الطرابلسي وتحكى نكات عن قلّة تعليمهم ومستواهم الاجتماعي المتدنّي وطمعهم الشديد.
ورغم أن البعض من هذه الشائعات يرجع إلى احتقار مظاهر الإثراء السريع لدى جماعة الطرابلسي، فإن التونسيين يؤكّدون أن آل الطرابلسي يستعملون سياسة ليّ الذّراع واستغلال النفوذ بتوظيف النّظام لتحقيق مآربهم، وهو ما يجعلهم مكروهين بسهولة.
ويعتبر شقيق ليلى بلحسن الطرابلسي الأكثر سلطة بين أفراد العائلة ومعروف عنه أنه متورّط بشكل كبير في المخطّطات الفاسدة التي هزّت مجلس إدارة البنك التونسي (مرجع ب.) في خصوص الاستيلاء على الممتلكات وابتزاز العمولات.
فإذا تركنا مسألة السوابق جانبا، فإن استثمارات بلحسن الطرابلسي واسعة وتشمل مجال الطيران والكثير من النّزل والفنادق وأحد محطّتي الراديو الخاصتين ، ومركّبات لتجميع السيّارات، وكالة شركة فورد، مؤسّسة استثمار عقّاري، والقائمة تطول.(انظر المرجع ز. من أجل قائمة أشمل لمجالات استثماره).
ومع ذلك، فإنّ بلحسن هو واحد من إخوة وأخوات عشرة معروفين لليلى، كلّ واحد منهم له أبناؤه. ومن بين أفراد هذه العائلة الواسعة، يعتبر المنصف شقيقها وعماد ابن أخيها بشكل خاصّ من أهمّ الرجال الاقتصاديّين الفاعلين.
رابعا: لقد ترك الرئيس الأمور تمضي، مع تأكيد العديد من التونسيّين أنه يقع استغلاله من طرف عصبة الطرابلسي، وأنه لا علم له بتجاوزاتهم وبممارساتهم.
XXXXXXXXXX وهو من المدافعين الأوفياء عن الحكومة وعضو في XXXXXXXXXX أخبر السفير بأن المشكلة ليست بن علي، وإنما “العائلة” التي تتجاوز الحدود وتكسر القواعد. ومع ذلك فمن العسير الاعتقاد بأن بن علي ليس على علم – على الأقلّ – بشكل عامّ بمشكلة الفساد المستشري
وهذا ما ينعكس أيضا في التقسيم الجغرافي للإقطاعيّات بين آل بن علي وآل الطرابلسي، حيث تركّز عصبة بن علي على منطقة الوسط الساحلي بينما تتمركز عمليّات عصبة الطرابلسي حول تونس الكبرى وبالتّالي تحوز على النصيب الأكثر من الشائعات
كما أنّ فرع بن علي من العائلة وأبناءه وأصهاره من الزواج الأوّل متورّطون بدورهم في العديد من القضايا. فبن علي لديه 7أشقّاء وشقيقات من بينهم المرحوم المنصف – تاجر المخدّرات المعروف – الذي حوكم بالسجن 10 سنوات غيابيّا أمام القضاء الفرنسي. ولديه أيضا 3 بنات من زوجته الأولى نعيمة الكافي: غونة ودرصاف وسيرين متزوّجات حسب الترتيب من سليم زرّوق وسليم شيبوب ومروان المبروك، وكلّهم من رجال الأعمال الهامّين والمؤثّرين.
—————————————–
هذه الأرض أرضك، هذه الأرض أرضي
——————————————–
خامسا: مع ازدهار الاستثمار العقاري وارتفاع أسعار الأراضي، يغدو امتلاك الأصول العقارية أو الأراضي في المكان المناسب إمّا نعيما أو تذكرة ذهاب بدون عودة نحو فقدان الملكية. ففي صيف 2007 تلقّت ليلى بن علي قطعة أرض مرغوبة في قرطاج من قبل الحكومة التونسية وبدون مقابل، من أجل الاستثمار في بناء المدرسة الخاصّة الدولية قرطاج (مرجع ف) وبالإضافة إلى الأرض، تلقّت المدرسة 1.8 مليون دينار (1.5 مليون دولار أمريكي) هديّة من الحكومة التونسية، وفي ظرف بضعة أسابيع أنشأت الحكومة طرقا وإشارات ضوئيّة بالمفترقات لتسهيل الوصول إلى المدرسة. ولقد أبلغنا أن السيدة بن علي باعت المدرسة الدولية بقرطاج لمستثمرين بلجيكيّين، لكنّ السفارة البلجيكيّة تعذّر عليها إلى الآن نفي أو تأكيد الخبر. ويؤكّد XXXXXXXXأن المدرسة تم بيعها بمبلغ هامّ، لكن غير محدّد. مشيرا إلى أن صفقة كهذه تمثّل ربحا صافيا، حيث أن السيدة بن علي تلقّت الأرض والبنية التحتية ومعها مكافأة ضخمة كلّ ذلك بدون كلفة.
سادسا: إنشاء قصر هائل مقابل إقامة السفير العام الماضي. وقد أخبرتنا عدة مصادر أن هذا المسكن هو على ملك صخر الماطري، صهر الرئيس بن علي وصاحب راديو الزيتونة. وكان المالك الأصلي قد وقع طرده من قبل الحكومة التونسية لأجل استغلال الملكية من قبل إدارة المياه، لتمنح لاحقا للماطري من أجل استعماله الخاصّ.
كما روى صاحب مقهى قصّة مماثلة لموظّف بالسفارة، حيث أخبره كيف أن بلحسن الطرابلسي أكرهه على المتاجرة في مقهى كان ملكه في موقع متميّز. وصرّح صاحب المقهى أن الطرابلسي قال له أن بإمكانه أن يفعل ما يريد فيها؛ فإن لم تكن 50 دينارا كافية كرشوة لرجال الشرطة، قال الطرابلسي : أن على المالك أن يكلمه فقط فيتولى هو حل الإشكال.
————
اليخت المطلوب
————
سادسا: سنة 2006، أبلغنا أن أقارب بن علي عماد ومعز الطرابلسي (أبناء أخ زوجته) قاما بسرقة يخت لرجل أعمال فرنسيّ واسع العلاقات، هو برونو روجر، رئيس لازارد – باريس وبرزت القضية للنور عندما كتبت الصحف الفرنسية بشكل واسع عن السرقة، حين اكتُشف اليخت بعلاماته المميّزة مطليّا حديثا وراسيا بميناء سيدي بوسعيد.
ولقد خلق روجر المؤثّر بقوّة في المؤسّسات الفرنسية حالة من التوتر في العلاقات الثنائية وحسب التقارير فقد أعيد اليخت بسرعة إلى مالكه.
وعادت قضيّة سرقة اليخت إلى البروز على السطح سنة 2008 بسبب برقية تفتيش للشرطة الدولية الانتربول في حق الطّرابلسيّين الاثنين. وفي أيار، عرض الشقيقان أمام المحاكم التونسية، في محاولة لإرضاء العدالة الدولية. غير أن التقارير لا توضح نتيجة القضيّة.
——————
أرني أموالك
——————
يبقى القطاع المالي التونسي ضحيّة لادّعاءات جدّية حول الفساد وسوء التصرّف المالي. فرجال الأعمال التونسيون يقولون ساخرين أن أهمّ علاقاتك هي تلك التي تقيمها مع مدير بنكك، ممّا يعكس أهمّية العلاقات الشخصيّة على حساب مخطّطات العمل القويّة في الحصول على التمويل. إن مخلّفات استناد المعاملات البنكية لقاعدة العلاقات الشخصية هي معدّل القروض غير المثمرة والبالغة 19 بالمائة، والتي تبقى عالية رغم كونها أقل من نسبة 25 بالمائة لسنة( 2001المرجع).
ولقد أكّدت مصادر السفارة بجلاء أنّ العديد من هذه القروض تحصّل عليها رجال أعمال تونسيّون أثرياء يستغلّون علاقاتهم القويّة بالنظام لتفادي الخلاص. (المرجع ج)
إن تراخي الرقابة على القطاع البنكي يمثّل هدفا مثاليّا للاستغلال، مع العديد من الحكايات عن مخطّطات “العائلة الحاكمة” وتشكّل التحويرات الأخيرة في البنك التونسي (المرجع ب )، بصعود زوجة وزير الخارجية لرئاسة مجلس إدارتها وعضوية بلحسن الطرابلسي له، آخر الأمثلة على ذلك.
وحسب ممثل عن الكريدي أجريكول ، فإن مروان المبروك، وهو صهر آخر لبن علي، اقتنى 17 بالمائة من حصص بنك الجنوب سابقا
( بنك التجاري حاليّا) مباشرة قبل خصخصتها. و تعد هذه النسبة 17 بالمائة حيويّة للحصول على حقّ الإشراف بما أن صاحبها يصبح أغلبيّا، حيث أن35 بالمئة فقط من حصص البنك قد خصخصت. وقال ممثل الكريدي أجريكول أن المبروك حصل على تمويله من بنوك أجنبية مع مكافأة مجزية من الفائز بالعطاء الإسباني -المغربي سانتاندر-التجاري لقاء الذي دُفع في نهاية المطاف إلى المبروك. ويروي XXXXXXXXXXXX أنه في الفترة التي ما يزال فيها في بنكه، كان دائما يتلقّى مكالمات من عملاء مذعورين يخبرونه أن بلحسن الطرابلسي يطلب منهم مالا. ولم يصرّح إن كان ينصحهم بالدّفع.
———————–
استشراء الظاهرة
———————–
ثامنا: وفي الوقت الذي أصبحت فيه حكايات الفساد العالية المستوى في العائلة الأكثر شيوعا والأكثر تكرارا، فإن التونسيّين يقولون أنهم يتعرّضون لفساد من مستوى أقل في حياتهم اليوميّة ولكنه أكثر تكرارا، فخطايا تجاوز السرعة يمكن أن يقع تجاهلها، والحصول على جواز سفر يمكن تسريعه والعادات يمكن تجاوزها — كلّ شيء له ثمنه. ويعتقد أن هبة لصندوق 26-26 الحكومي من أجل التنمية أو لجمعيّة بسمة للمعوّقين – جمعيّة ليلى بن علي الخيريّة – كفيل بتسهيل الأمور.
حياة لواني (ذات حصانة )، وهي عضو مجلس نواب ذات علاقات متشعّبة، تعرّضت لضغوطات متصاعدة من الحكومة التونسية، بعد أن رفضت إعطاء أموال لفريق كرة قدم تابع للطرابلسي. ويقول XXXXXXXXXXXX أن عناصر الجمارك يطالبونه في كلّ مرة بدفع 10 آلاف دينار لتمرير بضاعته، ولم يبيّن إن كان يستجيب لطلبهم أم لا.
تاسعا: إن المحاباة تلعب دورا هامّا حتّى في منح التدريس وفرص العمل. فمعرفة الأشخاص المناسبين في وزارة التعليم العالي قد يكفل لك القبول في أحسن الكليات أو الحصول على منحة للدراسة في الخارج.
يؤكّد أحد الرعايا الخارجيّين للسفارة أن مدير التعاون الدولي الذي يعرفه منذ مدّة طويلة عرض عليه أن يمنح ابنه منحة دراسية بالمغرب على أساس معرفتهما ببعضهما. فإذا لم تكن تعرف شخصا مهماً، فإن المال يمكن أن يكون الوسيلة. وهناك العديد من القصص عن تونسيين دفعوا لموظفي وزارة التعليم العالي حتى يدرجوا أبناءهم في مدارس أفضل من تلك التي كان من المفترض إدراجهم فيها حسب نتائجهم المتحصل عليها.
أمّا الوظائف الحكومية – وهي مطلوبة جدا في تونس – فإنها تمنح استنادا على العلاقات الخاصة .
وقد أفادت التقارير أن والدة ليلى بن علي – الحاجّة نانا – عرفت بوساطتها في مجال إدراج الأبناء في المدارس العليا وكذلك التشغيل في الحكومة، عارضة خدماتها لتسهيل ذلك مقابل عمولة.
كما أنّ من بين الشكاوى المرفوعة من محتجّي الحوض المنجمي بقفصة، إشارات إلى أنّ التشغيل بشركة فوسفات قفصة يخضع للعلاقات والرشوة.
————————-
حكم البلطجة؟
————————-
عاشرا: لا شكّ أن حكايات الفساد في العائلة مؤلمة جداً للتونسيين ، ولكن بجانب الإشاعات -حول الاستيلاء على الأموال- فإن ما يثير القلق والاحباط أكثر أن الذين لديهم علاقات قوية لا يطالهم القانون. أحد المعارضين التونسيّين اشتكى من كون تونس لم تعد دولة بوليسيّة، بل أصبحت دولة تحكمها المافيا، وقال مستنكرا: “حتّى تقارير الشرطة ترفع إلى العائلة !”.
المذكورين أعلاه هم من أسوأ المجرمين، ولن يكون هناك اي إصلاح في النظام إن بقيوا على سدةالحكم.
ذكرت ابنة والِ سابق أنّ بلحسن الطرابلسي دخل مكتب والدها غاضبا – وبلغ به الأمر أن ألقى أحد الموظّفين أرضا وهو شخص مسنّ – بعد أن طلب منه الامتثال للقانون الذي ينصّ على وجوب دفع تأمين للمتنزه الخاصّ به. وأرسل والدها رسالة إلى الرئيس بن علي يدافع فيها عن قراره ويندّد بممارسات الطرابلسي. غير أن الرسالة لم تلق أي ردّ، وأقيل والدها من مهامّه بعدها بقليل.
تمكّنت الحكومة التونسية بفضل الرقابة الشديدة التي تمارسها على الصحافة من كتمان حكايات الفساد في العائلة وعدم نشرها. ويمثّل فساد العائلة خطّا أحمر خطرا بالنسبة للصحافة. ورغم أنّ سجن الممثل الكوميدي الهادي ولد باب الله في فيفري ارتبط مباشرة بالمخدّرات، إلا أن مجموعات حقوق الإنسان تشير إلى أنّ هذا الإيقاف جاء عقابا على عرض دام30 دقيقة سخر فيه الممثل من الرئيس ومن أصهاره (تونس ث ) .
كما تعرضت المنظّمات الدولية المستقلّة للحالة السيئة للسجين الصحفي سليم بوخذير الذي وقع إيقافه لكونه لم يستظهر ببطاقة تعريفه ومن أجل الإساءة إلى عون أمن، مشيرة إلى أنّ التهم ذات علاقة وطيدة بمقالاته النقديّة للحكومة والفاضحة للفساد.
ويبقى الفساد موضوعا يتداول بصوت منخفض مع الالتفات بحذر إلى الخلف .
————————
الفيل في الغرفة
————————
حادي عشر: عدد من الاقتصاديّين التونسيّين يرون أنه لا توجد مشكلة في تصاعد الفساد حاليّا لأن “ما نراه هو الحقيقة ” ، لكنّ استشراء الفساد وما يروج حول صفقات الظلّ في الكواليس تحدث انعكاسا سلبيّا على الاقتصاد بغضّ النظر عن حقيقة ما يقال. فعدد من مصادرنا عبّروا لنا عن خشيتهم من الاستثمار بسبب الخوف من أن تطمع فيهم العائلة.
وحين سئل عليّة بالطّيب “ما هي المشكلة؟” أجاب “أفضل السيناريوهات هو أن ينجح استثماري وأن يطمع بعض الأطراف المتنفّذين في نصيب منه”. ويؤكّد هذا استمرار النسب الضعيفة للاستثمار الداخلي ( مرجع د.) . ورغم عدم قانونيّتها، فإن الحسابات البنكيّة في الخارج أصبحت أمرا متداولاَ .
ولقد سجّلت وزارة الماليّة مؤخّرا فشلاً إثر محاولتها تشجيع رؤوس الأموال على إعادة أموالهم إلى البلاد عبر إعفائهم.
وقد صرّح بالطّيّب أنه يخطّط لإدماج مؤسسته الجديدة في السوق الموريتانية أو المالطية، ملمحا إلى عدم وجود تشويش غير مرغوب فيه هناك. كما أن الكثير من الاقتصاديّين ورجال الأعمال لاحظوا أن الاستثمار المتزايد في العقارات والأراضي يعكس عدم الثقة في الاقتصاد ومحاولة لحماية أموالهم (مرجع ج).
ثاني عشر: حتّى الآن، لم يتراجع المستثمرون الأجانب، واستنادا إلى مصادر من رجال الأعمال التونسيّين، فإن الاستثمارات الأجنبيّة لم تتأثر إلى حدّ كبير. ويتواصل ورودها بنسق ثابت، حتّى إذا استثنينا الخصخصة والمشاريع الكبرى للخليج التي لم تبدأ بعد.
ومن النادر أن يتحدّث المستثمرون الأجانب عن عمليّات ابتزاز على غرار تلك التي يتعرّض لها نظراءهم التونسيّون، وهو ما يعكس ربّما لجوءهم إلى سفاراتهم وحكوماتهم.
وقد أكّد ممثلو بريتش غاز للسّفير أنهم لم يتعرّضوا لأيّ ممارسة غير قانونيّة. من جهته، أكّد XXXXXXXXX أن بلحسن الطرابلسي حاول منذ سنوات ابتزاز شركة ألمانيّة تختصّ في الإنتاج الموجّه للتصدير “أوفشور”، لكن بعد تدخّل السفارة الألمانية، وقع تحذير الطرابلسي من الاقتراب من مؤسسات (الأوفشور).
وعلى الرغم من التصريحات حول تنامي الاستثمار المحلّي، فإن الحكومة التونسيّة تواصل تركيزها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل البلاد، خاصّة في قطاع “الأوفشور”.
ومع ذلك، فإنّ العديد من الشهادات والأمثلة تؤكّد تعرّض المؤسسات الأجنبية أو المستثمرين إلى ضغوطات لمشاركة الشريك “الصحيح.”
ويبقى مثال ماكدونالد الأبرز حين فشلت في الدخول إلى تونس،
فعندما اختارت ماكدونالد أن تمنح امتيازا احتكاريّا لتونس، ألغيت الصفقة بكاملها بسبب رفض الحكومة التونسية منحها التراخيص اللازمة وعدم رغبة ماكدونالد في لعب اللعبة بمنح الامتياز إلى ذوي النفوذ في العائلة.
——-
تعليق
——-
ثالث عشر: رغم كون الفساد مستشر في البلاد جميعها، إلا أن تجاوزات عائلة الرئيس بن علي تثير حنق التونسيّين. وما يزيد الوقود فوق النّار هو التباين الصّارخ بين استعراض الثروات الطائلة والإشاعات حول الفساد مع ما يسود الوضع العام للتونسيّين من تضخّم وارتفاع معدّلات البطالة. ويعد تقدّم الاحتجاجات الأخيرة في المنطقة المنجميّة بقفصة مؤشّرا واضحا على حالة السخط التي ما زالت تعتمل تحت السطح. وفي الوقت الذي أسّست فيه هذه الحكومة شرعيّتها على قدرتها على رفع نسق نموّ الاقتصاد، يرى الكثير من التونسيّين أن من يقبعون في القمّة يحتكرون الفوائد لأنفسهم.
رابع عشر: إن الفساد هو مشكلة مشتركة بين ما هو سياسيّ وما هو اقتصاديّ. وغياب الشفافية والمحاسبة الذي يميّز سياسة النظام التونسي، يدمّر مناخ الاستثمار ويشجّع ثقافة الفساد. ورغم كلّ الخطب عن المعجزة الاقتصادية التونسية ورغم الأرقام الإحصائية الإيجابيّة، فإنّ حقيقة إدبار المستثمرين التونسيّين تقول الكثير عن الوضع.
إن الفساد هو “الفيل الموجود في الغرفة”، إنه المشكلة التي يعرفها الجميع، لكن لا أحد يصرّح بما يعرفه.