النظام الشمسي سباعي المستويات، وكل يحوي سبعة مستويات تحتية، فعلى المستوى الفيزيائي، تشكل المستويات التحتية الأكثف ما ندعوه بـالجسم المادي، أو الفيزيقي، وهو جسم مادي كثيف. أما المستويات التحتية الأقل كثافة على المستوى الفيزيقي فتشكل ما ندعوه بـالجسم الأثيري، أو طاقة الحياة، برانا prana. أما على المستوى النجمي astral، فالإنسان يمتلك فقط جسمًا نجميًا واحدًا يتشكل من ذرات المستوى النجمي. وعلى المستوى العقلي، تشكل المستويات التحتية الكثيفة ما ندعوه بـالجسم العقلي الأدنى أو الجسم الرغائبي kama rupa. والمستويات الأكثر شفافية تشكل الجسم العقلي الأعلى أو ماناس manas. وعلى المستوى الإشراقي بودهي buddhi، وعلى المستوى الروحي، يتشكل الجسم الروحي أو آتما atma. وعلى المستويات التحتية الكثيفة من مستوى آتما تبدو الشعلة الإلهية، الموناد Monad، وكأنها منفصلة عن الشمس الإلهية. ويتحول الوعي الكوني إلى وعي فردي؛ بينما على المستويات التحتية الأكثر شفافية تبقى الشعلة الإلهية، الموناد، متجذِّرة في المركز الإلهي. ومن جهة ثانية، ففي وسط المستوى الجرمي المادي توجد نقطة الاتصال بين المرئي وغير المرئي. وكذلك في وسط المستوى النجمي astral توجد نقطة الاتصال بين الشخصية أو الذات الدنيا، المؤلفة من الجسم الجرمي والأثيري والنجمي والرغائبي، وبين الفردية Individuality أو الذات العليا Higher Self، المؤلفة من الجسم العقلي والإشراقي والروحي Atma، وكذلك في وسط المستوى الروحي Atma توجد نقطة الاتصال بين الفردية والشعلة الإلهية، الموناد.
الإنسان يحوي بداخله الموناد، والفردية، والشخصية. فالفردية هي انعكاس للموناد، وهي ما يؤلف الكائن الروحي. أما الشخصية فهي انعكاس الانعكاس، أي هي انعكاس للفردية التي تستعملها كأداة تجسُّد لزمن لا يتعدى مدة تجسُّد أرضي واحدة. ففي نهاية كل تجسد أرضي، يموت الجسم الجرمي الفيزيقي، ويتبعه بعد فترة زمنية، كلٌّ من الجسمين الأثيري والنجمي. والأمر نفسه يحدث للجسم الرغائبي الذي يتلاشى بعد فترة من الوقت.
قد يتراءى لنا أن التركيب السباعي لأجسام الإنسان معقد، ولكن يجب ألا ننسى أن الوعي الذي يعبِّر عن نفسه من خلال هذه الأجسام هو وعي واحد. فعندما يعمل الوعي من خلال الجسم الإشراقي، مثلاً، يصير مقيدًا باهتزازات هذا المستوى ويبدو كوعي إشراقي. ويمتد هذا الوعي إلى السماوي، آتما Atma. وعندما يعمل الوعي من خلال الجسم العلِّي Causal body فإنه يصبح وعيًا للعقل الأعلى Manas. وعندما يندمج الجسم العقلي الأدنى يصبح وعيًا للجسم الرغائبي ويظهر كفكر. وباتحاد الوعي بالجسم النجمي يتحول إلى أحاسيس. ومع الجسم المادي يصير الوعي حركة وفعل. إذًا فالوعي واحد، لكنه يتجلَّى بطرق مختلفة بحسب "المركبة" أو الجسم الذي يعمل من خلاله.
في الشخصية، حيث تصل الإشراطات إلى ذروتها، ينسى الوعي أصوله الإلهية، ويعتبر الإنسان نفسه منفصلاً عن الكون. ولكن بتنقية هذه الأجسام يبدأ بإدراك أن هذه الشخصية هي عبارة عن أداة تستعملها الفردية Individuality للعمل على المستويات الدنيا. وفيما يتعلق بالفردية نفسها فإن لديها الوعي بأنها من طبيعة إلهية وبأنها، بالتالي، خالدة لأنها انعكاس للموناد. ولكن في نهاية التطور الكوني ينعدم وجود الفردية، لأنها في الأساس كانت لها بداية وستكون لها نهاية، ما عدا الأتما الروحي الذي هو فعلاً أساس الفردية الحقيقية لأنه فوق الزمن، وهو شعاع من الشمس الإلهية.
في نهاية كل تجسُّد، يقوم الجسم العِلِّي بهضم كل الخبرات المكتسبة أثناء الحياة الأرضية السابقة. وتتزايد معارف الفردية، وكذلك الأمر بالنسبة للشعلة الإلهية، الموناد، التي يجب عليها في نهاية المطاف أن تبلغ وعي الذات Self-consciousness. وهذه هي الغاية الأساسية من رحلتها السرمدية. ومن جهة ثانية، فإن صيرورة التطور هي المساعدة على التفتح والوعي. وعملنا يتلخص في تنقية هذه الأجسام المختلفة التي تحد من تفتح الوعي بسبب إشراطاتها، ومحاولة نقل مركز الوعي من الشخصية إلى الفردية، ومن الفردية إلى الموناد. إذ إنه في التطور الإنساني الفائق ينتقل مركز الوعي من المستويات الروحية إلى المستويات الإلهية، ومن الفردية إلى الموناد، الشعلة الإلهية.
وعندما نتكلم على مستويين "أعلى" و"أدنى"، يجب أن ننتبه إلى أن الفردية ليست فوق الشخصية، بل تحاذيها أو تتخللها، لأن الفردية وُجِدَتْ قبل الشخصية؛ ولذلك ففي هذا "الداخل" أو الباطن، وليس في الـ"ما فوق"، يجب أن نبحث عن الشعلة الإلهية. وعندما نتكلم على الأغلفة أو الأجسام التي تحيط بالشعلة الإلهية فليس المقصود أن هذه الأجسام تعوق "راحة" هذه الشعلة وأننا يجب أن نهمل أجسامنا، لأن الأجسام نفسها من مصدر إلهي، وكل شيء في الوجود إلهي الجوهر؛ وما عمل هذه الأجسام إلا حماية الموناد أو الشعلة الإلهية. وعدم معرفتنا بهذه الحقيقة يجعلنا نتوهم أن المركبات الجسمية هي عائق للتطور. لكن كل ما علينا عمله للإسراع في تفتح الوعي بداخلنا هو ترك الإلهي يُعبِّر عن نفسه من خلال أفكارنا وأحاسيسنا وأفعالنا – وهذه هي الغاية الأولى من التجسد الأرضي. ويكون ذلك بتطهير أفكارنا من الشوائب، وبمزيد من الغيرية نحو الأكثر ضعفًا وبؤسًا بين البشر، وبمزيد من المحبة نحو الآخرين.
فلنسلط الآن الضوء على المركبات المكوِّنة للإنسان:
الجسم المادي: يجب أن نتجنب الاعتقاد بأن ثنائية الوعي والطاقة إنما تعبِّر عن التضاد بين الروح والمادة، وبأنها تعبير عن الإشكال الفلسفي الواقع بين الماديين والروحيين على أن الماديين الحقيقيين هم أولئك الذين يرون العالم بواسطة أعضاء الحواس وحسب، ويرفضون القبول بوجود مستويات وعوالم ألطف اهتزازًا بحيث لا نراها بالعين المجردة؛ بينما الروحانيون الحقيقيون لا يديرون ظهورهم للحواس الخمس، وإنما يعتبرونها التجلِّي الأكثر ظاهرية لحقيقة لا يزال وجهها الباطني مستورًا ومخفيًا عن عيوننا. وعندما ندرك تمام الإدراك موقع الجسم الجرمي المادي في الكون ودورة العالم ، فإننا سنوجِّه اهتمامًا أكبر له، لأنه الأساس الذي نستطيع من خلاله رؤية العالم خارجيًا وإقامة الصلة ما بين العالم الخارجي والعالم الباطني.
"جسمك هو حصانك الذي تمتطيه"، ولهذا تجب معاملته جيدًا والاعتناء به. الفارس الأصيل هو ذاك الذي يحب حصانه، وبمحبته له، يعرف حاجاته، وكيفية قيادته ليقوم بالعمل المطلوب منه. والأمر نفسه ينطبق على الجسم الفيزيقي الجرمي؛ فإذا أردناه ألا يكون عقبة لنا في أبحاثنا الروحية، يجب أن نحبه ونهتم لاحتياجاته، لأنه بالمحبة والاحترام للمملكة الإنسانية التي يعبِّر عنها الجسم الجرمي في أكثف اهتزازاتها، نصل إلى المستويات الشفافة في هذا المستوى الجرمي الذي يحيط بنا. فلكي نحب شيئًا ما يجب علينا معرفته. والعلم لا يعرف إلا القليل عن عمل الجسم الجرمي.
الجسم الجرمي، أو الجزء الكثيف منه، قد تشكَّل من المستويات التحتية الدنيا الثلاثة هي: الصلبة والسائلة والغازية. أما الجزء الأشف فقد تشكَّل من المستويات التحتية العليا الأربعة للمستوى الفيزيقي المادي، المدعوة بالمستويات الأثيرية. وبذلك نحصل على جسم جرمي كثيف نراه بالعين المجردة، وجسم أثيري غير منظور يرتبط بالجسم الجرمي. وهذا الجسم الأثيري هو ما ندعوه أيضًا بـالبرانا prana، أو الطاقة التي تمدُّ الجسم الجرمي بالطاقة الكونية وتحفظ له تماسكه أثناء الحياة الأرضية. ولكن الجسم الأثيري ليس له وعي خاص به؛ ويبقى مرتبطًا بالجسم الجرمي طوال الحياة. أما الجسمان النجمي والرغائبي فهما يغادران الجسم المادي أثناء النوم مع بقائهما مرتبطين به بواسطة حبل أثيري يدعى "الحبل الفضي" الذي سنأتي على ذكره عند دراستنا صيرورة الموت. ولكن بدون الجسم الأثيري يفقد الجسم المادي كل وظائفه الحيوية والعضوية؛ فكلا الجسمين يحتاج للآخر. أما عن عمل الجسم الأثيري فهو يتلخص في نقاط ثلاث:
1. الجسم الأثيري هو القالب أو النموذج الذي على أساسه تشكََّل الجسم الجرمي.
2. هو الموزع للطاقة الحيوية المستمدة من الشمس.
3. هو المركز حيث تتوضع التشاكرا chakra، أو مراكز الطاقة التي هي صلة الوصل بين الجسم المادي والجسم النوراني.
النقطة الأولى:
إن الشكل المادي للإنسان لم يُخلَق من تدخل عوامل مادية بحتة فقط، كالوراثة مثلاً، بل من فطنة إلهية ومن "نموذج إلهي" أنزلته كائنات روحية إلى المستوى المادي عند بدء كل تجسد جديد. فجسم الطفل المادي يتشكل بحسب نموذج أثيري تعطيه هذه الكائنات الروحية التي يدعوها الناس بالملائكة، وتدعوها الثيوصوفية بـ"سادة كارما". وهذا الشكل هو أساسًا نتيجة الكارما Karma، أو نتائج أفعال الإنسان في حياته السابقة. فالجسم الجرمي الذي يتجسد فيه الإنسان عند ولادته يعود إلى نموذج أثيري ساهم الإنسان نفسه في صياغته خلال أعماره السابقة من خلال التأثيرات الفكرية الصالحة أو الطالحة التي شكلت ذرات الجسم الأثيري، النموذج الأساسي للتركيب الخلوي للجسم الجرمي.
النقطة الثانية:
الجسم الأثيري هو الموزِّع للطاقة الحيوية الصادرة عن الشمس والمنتشرة في الكون كله. وتدعى هذه الطاقة باسم برانا على المستوى الفيزيقي. البرانا موجود في كل المستويات في النظام الشمسي والكون، وبالتالي يوجد برانا نجمي، وبرانا عقلي، إلخ، لأن البرانا هو مبدأ الحياة وهو طاقة واعية تربط الوعي بالطاقة على كل مستوى. فعلى المستوى الفيزيقي، تقوم البرانا بتغذية الأعضاء والأعصاب وكل ما يوجد في الإنسان بالطاقة الحيوية؛ وهي المسؤولة عن تماسك الجزيئات المادية ليتشكل منها جهاز عضوي، وتساعد على نقل الأكسجين في الدم، وعلى هضم الطعام.
النقطة الثالثة:
إن عملية تلقي الإنسان للمعارف والإيحاءات من العوالم التي تتجاوز عالمنا الأرضي تتوقف على درجة الاهتزازات وشفافيتها. فكلما كان الإنسان ذا قدرة روحية سامية ازدادت لديه قدرة الاهتزازات الدماغية؛ وبالتالي يستطيع الدماغ أن يلتقط الموجات والاهتزازات القادمة من عوالم أرق ويختزنها في الذاكرة. فأثناء التأمل الداخلي أو في الحلم يكون "متوضعًا" في عالم ذي درجات اهتزازية عالية. ولكن إن لم يكن دماغه "متوضعًا" أيضًا على نفس درجة الاهتزاز السابقة في العالم الآخر فإنه لن يتذكر أي شيء من الحلم أو الرؤيا الروحية. ومن المعروف بأنه توجد أربعة موجات للدماغ هي:
1. الأولى: ألفا α؛ وهي تناسب حالات التأمل والاستغراق.
2. الثانية: بيتا β؛ وتظهر في حالة اليقظة الطبيعية وتترافق مع النشاط الذهني.
3. الثالثة: دلتا δ؛ وتُعتبَر الأبطأ بين الموجات الدماغية، وهي التي تتوافق مع حالة النوم العميق.
4. الرابعة: ثيتا θ؛ وتتوافق مع الأحلام.
الجسم الأثيري هو مكان استقرار التشاكرات Chakra، وهي مراكز نقاط التقاء بين الجسم الجرمي والجسم النجمي. وعندما تصبح هذه التشاكرات متطورة بما فيه الكفاية فإننا نستطيع بواسطتها أن نتذكر كل التجارب التي نمر بها في العالم النوراني أثناء النوم. وخلال دراستنا لصيرورة الموت وبدء تفكك الأجسام الدنيا للإنسان، سنذكر السبب الذي يدفع الهندوس إلى حرق جثمان الميت بدلاً من دفنه في المدافن.
تطور البشرية ووجودها على كوكب الأرض لم يحدث بشكل مفاجئ؛ الوجود عبارة عن انبثاق من المطلق. والجسم الجرمي قد تطور خلال مسيرة طويلة ولم يصل إلى ما هو عليه الآن إلا بعد مروره بمراحل تطورية، بدءًا من الذرية البشرية الأولي وحتى وصوله إلى جنسنا البشري الحالي، الذرية البشرية الخامسة.
مرَّت على كوكب الأرض أربع ذريات بشرية واندثرت. ففي الذريتين البشريتين الأولى والثانية كان الجسم الجرمي عبارة عن شكل هيولي لاعضوي. ولكن في الذرية البشرية الثالثة حصل الانقسام الجنسي الذي كان له الدور الكبير في التطور الإنساني. ولم يحصل الجسم الجرمي على شكله العضوي إلا في الذرية البشرية الرابعة؛ وعندها بدأ يتشكل جسمُ الرغبات والعقل العاطفي. ولا تزال بقايا الذرية البشرية الرابعة على كوكب الأرض، لأنه يوجد تداخل بين كل جنس بشري قديم وجديد، رغم اندثار أغلبية الذرية البشرية القديمة. وفي بداية الذرية البشرية الخامسة (الحالية) بدأ العقل Manas يلعب دورًا كبيرًا في تطور الإنسانية. ومع ذلك فلا تزال أمام الجسم الجرمي إمكانيات للتطور مستقبلية. فالعلم الغيبي Occult Science يقول لنا بأن الجسم المادي الجرمي سيحوز على الحاستين السادسة والسابعة خلال ظهور الذريتين البشريتين السادسة والسابعة القادمتين. فالجهاز العصبي سيطرأ عليه تغيير وسيصبح أكثر رقة وشفافية، خاصة فيما يتعلق بالدماغ. وكلنا يعرف بوجود الغدة النخامية في الدماغ، وكذلك الغدة الصنوبرية؛ وهاتان الغدتان لم تتطورا بما فيه الكفاية، أي أنهما لا تزالان تمتلكان إمكانيات هائلة في عملهما الحقيقي الذي لا يعرف عنه الطب الكثير؛ وهما ستفصحان عن كل إمكانيتهما أثناء تطور الحاستين السادسة والسابعة اللتين ستحوز عليهما الذريات البشرية القادمة. ولكننا نذكر أن الغدة الصنوبرية كانت في الأصل عضو الرؤيا الروحية، أو "العين الثالثة"، ولها ارتباط كبير جدًا بالمستويات والقدرات الروحية التي يحوزها الإنسان في حالة الكمون. والأبحاث التي أجريت على هذه الغدة دلت على امتلاكها مادة خاصة، وهي المادة التي تساعد على تطور الذكاء؛ وقد تبيَّن أن أكبر كمية من هذه المادة توجد في الغدة الصنوبرية لدى الإنسان، وبعده يأتي الشمبانزي ثم الدلفين. فكلما كانت الغدة الصنوبرية نامية عند كائن حي ازدادت إفرازاتها، وتطوَّر هذا الكائن أكثر من غيره من الكائنات الأخرى.
دراسة الجسم الجرمي ينبغي ألا تقتصر على مستوى الفضول الفكري، بل ينبغي أن تحفزنا على تغيير نظرتنا لهذا الجسم، على مستوى العقل والإحساس والفكر. فنحن لا ندرك كم نتماهى مع هذا الجسم الجرمي. فعندما تطلب معدتنا الطعام نقول: "أنا جائع!" وعندما تشعر المعدة بالتعب نقول: "معدتي تؤلمني!". ولكن من هو الذي يشعر بالجوع أو الألم؟ هل هو الجسم الجرمي أم الذات؟! فما دمنا نستمر في التماهي مع الجسم الجرمي واعتباره الذات الحقيقية للإنسان فلن نستطيع السيطرة عليه وتوجيهه بطريقة مثالية، بحيث لا يكون عقبة أمام تطورنا الروحي. فلو قلت: "سوف أغذي جسمي المادي بالطعام" بدلاً من أن أقول: "سوف أتناول الطعام" فإن طبيعتي ونظرتي للطعام ستكون مختلفة تمامًا. وليس المقصود بذلك بأن نحرم أنفسنا من رغبة حسية ما، أو أن نعيش حالة تقشف، ولكن الهدف الرئيسي هو الإحساس بأننا منفصلين عن الحواس ومواضيع الحواس، والنظر إليها على حقيقتها، أي بكونها خارجية عن ذاتنا وليست هي "نحن"، وإدراك أن الحواس ليست إلا غطاء أو غلافًا يحيط بالذات الحقيقية التي هي "نحن". فمن طبيعة الجسم الجرمي والنجمي والرغائبي العمل بطريقة آلية تلقائية؛ وهذه النزعة إلى التكرار الآلي للفعل هي التي تحد من الاستعمال الحر للجسم وتمنعه من "هضم" معارف جديدة. والتطور والتقدم للأمام يتطلب منا أن "نوقف" الكثير من هذه الآليات، وأن نعمل على امتلاك آليات جديدة أكثر رقيًا وشفافية.
نحن نعرف أن كل شيء في الكون هو عبارة عن اهتزاز؛ وتنقية الجسم الجرمي تعني جعله مؤهلاً لاستقبال وتلقي اهتزازات أكثر شفافية، والامتناع عن الرد على الاهتزازات الكثيفة التي تصدرها الأفكار السيئة والنوايا الخبيثة، ليس فقط في العالم الفيزيقي وإنما في أيضًا في العالمين النوراني والعقلي. ونحن نعرف أن خلايا الجسم تتجدد كل سبع سنوات. فإذا غيرنا طريقة تغذيتنا فإننا سنحصل بعد سبع سنوات على جسم مادي جديد قابل لتلقي اهتزازات أكثر شفافية. ذلك أن الطعام الذي نتناوله يتصف، ككل ما في الوجود، بخاصية اهتزازية: فبعض الأطعمة تسبب الخمول أو تثير الإنسان حسيًا؛ وبعضها الآخر يعيد التناغم للجسم الجرمي. ولذلك يجب أن نعرف نوعية الطعام الذي نتناوله لكي نحفظ للجسم حيويته واهتزازه الشفاف.
الجسم الجرمي مركبة إلهية؛ ولكي يستطيع التجاوب مع الاهتزازات الإلهية ينبغي أن يصبح حساسًا وأن يتمتع بشفافية عالية. ونحن نعرف أن مركز الإرهاف الحسي هو في الجهاز العصبي، وعلى الأخص في الدماغ. ولكي نصل إلى هذه الغاية، أي تأهيل الدماغ ليستطيع نقل المعارف من مستويات أكثر شفافية، يجب أن نجعله حساسًا ومرهفًا. وهذا يتم بواسطة التأمل والتركيز العقلي واليوغا والصلاة الباطنية الصامتة. فهدف التأمل هو تلقي الطاقة من مستويات عليا، وليس مغادرة المستوى المادي إلى مستويات أعلى! لنتخيل وجود محطة إذاعية عالمية ترسل برامجها، ونحن نملك جهاز راديو صغير. فعندما نوجه إبرة الراديو على الموجة 60، مثلاً، نحصل على إذاعة عمان، وبتغيير الموجة إلى 80، مثلاً، نحصل على إذاعة لندن، وهكذا دواليك. ولكن عندما نقوم بتدوير الإبرة عشوائيًا فإننا لا نحصل إلا على التشويش والأصوات المزعجة.
الأمر نفسه يحدث لنا: فلنتخيل، بدلاً من المحطة الإذاعية العالمية، وجود عقل كوني يبث المحبة والتعاليم الروحية، ولنشبِّه دماغنا بجهاز الراديو. وبطبيعة الحال فإننا لن نستلم أية "رسالة" من هذا العقل الكوني لأن الإبرة الموجودة في دماغنا مشغولة بالهموم المادية والجنسية والبغضاء؛ ولذلك فهي تتحرك عشوائيًا. ولكننا إذا بدأنا بالصلاة والتأمل والتركيز فإن الإبرة تتركز على نفس الموجة التي يبث عليها العقل الكوني محبته وتعاليمه؛ وعندئذ نبدأ بإدراك ما يريده الخالق منا، ونبدأ باستلام "الرسائل" منه. بمعنى آخر، يجب علينا أن ننقل مركز وعينا من الشخصية إلى الفردية. فهناك ثلاث حالات للوعي:
1. حالة الوعي الشخصي، المرتبط بالشخصية؛
2. حالة الوعي الروحي، المرتبط بالفردية؛
3. حالة الوعي الإلهي، المرتبط بآتما Atma نفسه.
وللسيطرة على الجسم الجرمي ينبغي علينا نقل مركز الوعي من الشخصية إلى الفردية، أي من مستوى الوعي الشخصي إلى مستوى الوعي الروحي.
الجسم النجمي: كما ذكرنا سابقًا فإن الإنسان ينطوي على سبع مركبات:
1. الجسم الفيزيقي physical: الجسم المادي.
2. الجسم الأثيري etheric: البرانا prana، طاقة الحياة.
3. الجسم النوراني astral.
4. الجسم العقلي الأدنى lower Manas: الجسم الرغائبي.
5. الجسم العقلي الأعلى higher Manas: الجسم العقلي.
6. الجسم البودهي Buddhi: الجسم الإشراقي.
7. الجسم الآتمي Atma: الآتما أو الروح.
الجسم العقلي الأعلى يدعى أحيانًا باسم الجسم السببي أو العِلِّي Causal body؛ ولكن ليست الأسماء هي الأهم، لأن هذه الأجسام السباعية ليست في الحقيقة متوضعة فوق بعضها البعض، بل هي متداخلة فيما بينها، يتخلل كل منها الآخر ويؤثر فيه ويتأثر به. ولذلك فإن كل تطهير لأحد الأجسام ينجم عنه تطهير للأجسام الباقية. وكما رأينا آلية عمل الجسم المادي، سندرس الآن الجسم النجمي:
الذات العليا، أو الفردية، لكي تعمل على المستويات الدنيا للتجلِّي، تستعمل الآليات التالية: الجسم المادي للفعل، النجمي للإحساس، والجسم الرغائبي (أي العقلي الأدنى) للتفكير. فالروحي لا يبدأ وراء المادي، بل يبدأ ما وراء الشخصية، أي بعد ما يُعتبَر الذات؛ ويجب عدم الخلط بين جسم شفاف (كالجسم النجمي) وبين جسم روحي (كالجسم العقلي أو الإشراقي). ومع ذلك، فإن العالم المادي والأثيري والنوراني عوالم مؤقتة وغير أبدية، مقارنة بالعوالم الروحية التي بدورها، عاجلاً أم آجلاً، ستزول عندما يهبط ليل براهما.
إذًا العالم النوراني هو أيضًا، مثل العالم المادي، عبارة عن تجلٍّ مؤقت؛ ولكنه مع ذلك، حقيقي ما دام يعبِّر عن الحقيقة الواحدة. والجسم النوراني، نظير الجسم المادي، متوقف أيضًا، في قدرته الاهتزازية للعمل وفي تركيبته الذرية، على التجسُّدات السابقة؛ وكونه قد تشكل من اهتزازات أكثر شفافية من اهتزازات الجسم المادي لا يعني أن له امتيازات روحية أو قيمة أخلاقية تتجاوز الجسم المادي. وعمله ليس أكثر سموًا من عمل الجسم المادي. وفي المحصلة، فإن الجسم النوراني والعقلي ليسا إلا أدوات مؤقتة ويخضعان أيضًا لقوانين محددة. وعدم رؤيتهما لا تعني أنهما عالمان غير منظمين. فالعالم المتجلِّي في كلِّيته هو Cosmos، أي "نظام شمسي"؛ أي هو عكس الخواء والفراغ Chaos. والقوانين التي تسيِّر العالمين النوراني والعقلي ثابتة ومنظمة بفطنة ووعي كونيين. وكما أن كل فعل له نتيجة أو رد فعل في العالم المادي، كذلك كل انفعال أو عاطفة أو إحساس له نتائجه في العالم النوراني، وكل فكرة لها نتيجة في العالم العقلي. إذًا قانون السببية، قانون السبب والنتيجة، يفعل بدقة على المستويات المادية والنورانية والعقلية. ولذلك ينبغي علينا ألا نقيم سُلََّمًا تدريجيًا من القيم، وبالتالي نعطي أهمية أكبر أو أفضلية أولية للنوراني على المادي، أو للعقلي على النوراني. ولكن بالنسبة للحكيم، أي الإنسان المتحرر من القيود والإشراطات، الذي أسَّس وعيه على المستوى الروحي، أي ما وراء الشخصية، نستطيع القول عنه إن مركباته الثلاث (الجسم المادي والنوراني والعقلي) لها الأهمية نفسها بدون تمييز.
وكما أن الجسم المادي قد تشكل من نسيج ذرات العالم المادي، كذلك الجسم النوراني تشكل من ذرات العالم النوراني ونسيجه. وحيث أن "النسيج" النوراني أو العالم النوراني يحوي سبع مستويات نورانية تحتية (ككل الأجسام)، بدءًا من المستويات النورانية الكثيفة إلى المستويات النورانية الشفافة، فإن قانون كارما هو الذي يحدد تركيبة الجسم النوراني في بدايات التهيؤ لتجسد أو تقمص جديد.
"كل كينونة إنسانية تحفظ، من حياة إلى حياة، مجموعة من الذرات الدائمة، واحدة لكل مستوى". إذًا الذرة الدائمة للنوراني ستكون اللاقط لجوهر التجارب العاطفية للأعمار السابقة، وهي التي تشكل النواة التي يتشكل حولها الجسم النوراني الجديد وخصائص النسيج المأخوذ من العالم النوراني لصنع جسم نوراني جديد، محدد بالاهتزازات العاطفية والنفسية للتجسُّد السابق. وشكل الجسم النوراني شبيه بعض الشيء بشكل الجسم المادي، ولكنه أقل صلابة، نظرًا لشفافية النسيج النوراني الذي منه يتشكل الجسم النوراني. ولونه يختلف ليس فقط بين شخص وآخر، بل أيضًا لدى الشخص نفسه في لحظات متباينة من حياته وتلوُّن أمزجته، لأن الألوان تعكس تلقائيًا نوعية اهتزازات الجسم النوراني تبعًا للانفعالات والعواطف التي يعبِّر عنها الإنسان في علاقاته بالآخرين، من فرح وحزن وغضب، إلى ما هنالك من الانفعالات والعواطف الإنسانية.
"نسيج الجسم النوراني هو أكثر شبهًا بنسيج الجسم العقلي الأدنى منه بنسيج الجسم المادي، لأن الجسم النوراني هو صلة الوصل بين الجسم المادي والجسم العقلي الأدنى؛ ولذلك يتعرض للتأثيرات والاهتزازات من كليهما". ففي شكله هو شبيه بالشكل المادي، لأن الجسم العقلي الأدنى بيضوي الشكل. أما من حيث وظيفته فهو قريب من وظيفة الجسم العقلي الأدنى، ولهذا السبب فهو أحيانًا صعب الانحلال والتفكك بعد الموت. ودراستنا للجسم النوراني تقتصر على وظيفته أثناء اليقظة فقط، وليس على الدور الذي يقوم به أثناء النوم أو بعد موت الجسم المادي. ولا يعود ذلك إلى عدم أهمية عمله أثناء النوم أو بعد الموت، بل إن السبب يعود إلى استحالة التغيير أو التحول للجسم النوراني إلا في حالة اليقظة، حيث بالإمكان تطويره وجعله أطهر وأوعى بطرق إرادية. أي أن العمل على تنقية الجسم النوراني أثناء اليقظة هو بهدف جعله أكثر قابلية للعمل أثناء النوم، وليس العكس؛ واستمرار حياته بعد موت الجسم المادي ليس إلا تكملة واستمرارًا لحياة الجسم المادي أثناء الحياة. فالجسم النوراني والعقلي الأدنى قد تشكلا من أجل مدة تجسد أو تقمص واحدة، أي في الحياة فقط، وحياتهما ما بعد موت الجسم المادي ليست إلا "ذيول" التجسد الأرضي، وإن استمرا مئات السنين في "حياتهما" بعد الموت (موت الجسم المادي). إذًا سندرس الجسم النوراني من منظارين:
1. في علاقته مع الجسم المادي والجسم العقلي الأدنى؛
2. وفي كونه مركبة لعواطفنا ورغباتنا وأداة لها.
ما هي إذن، وظائف الجسم النوراني في حياتنا؟ الجسم النوراني هو الذي يحوِّل الاهتزازات الآتية من المستوى المادي، بواسطة الحواس، إلى أحاسيس ومشاعر. فهذه الاهتزازات تنتقل إلى الدماغ المادي عن طريق الجهاز العصبي؛ ومن الدماغ المادي تنعكس على الدماغ الأثيري، ومنه إلى مراكز الجسم النوراني المطابقة لمراكز الدماغ، حيث تظهر على شكل أحاسيس. وبعد ذلك يقدِّر فيما إذا كانت هذه الأحاسيس ممتعة ومستحبة أو غير مستحبة؛ يحولها إلى مشاعر وعواطف. وأخيرًا يتمنى الجسم النوراني، تحت تأثير العقل، أو بالأحرى تحت تأثير الذاكرة، تكرار هذه الأحاسيس المستحبة وعدم تكرار الأحاسيس غير المستحبة. وبسبب "ولادة" هذه الرغبة، يكون من الصعب فصل الجسم النوراني عن الجسم العقلي الأدنى. ولكننا سندرسهما كلاً على حدة، على شرط أن نرسخ في فكرنا أن التشكيلات الأربعة للشخصية (المادي، الأثيري، النوراني، العقلي الأدنى) يؤثر كل منها في الآخر باستمرار.
بعد أن عرفنا دور الجسم النوراني، سندخل في الجزء الأهم، ألا وهو السيطرة على هذا الجسم وكيفية تطهيره وتنقيته ليصبح أكثر فعالية في حياتنا اليومية.
رأينا، لدى دراستنا للجسم المادي، إلى أية درجة نتماهى مع هذا الجسم ونطابق بينه وبين هويتنا الحقيقية. وقد أدركنا ضرورة تصحيح نظرتنا إلى نظرة جديدة عند اكتشافنا أن الجسم المادي ليس "نحن"، أو الذات الإلهية فينا، بل غلاف خارجي، لا أكثر ولا أقل، يعمل على مستوياته بحسب الوظيفة المحددة له. كذلك في دراستنا للجسم النوراني، سندرك أننا لسنا هذا الجسم النوراني، ولا ينبغي علينا، بالتالي، التماهي معه ومعاملته وكأنه "الذات الإلهية" فينا.
وبالفعل فإن المجتمع الإنساني يهتم بالثقافة المادية والفكرية، وإن كان بطريقة مثالية؛ ولكنهما تبقيان في دائرة اهتمامه القصوى؛ ونادرًا ما نجد ذاك الإنسان الذي يتكلم عن الثقافة "العاطفية" وعن التربية على المستوى "العاطفي". ولهذا السبب نتماهى كليًا مع عواطفنا ومشاعرنا. ونحن لم نتعلم بعد أن نخطو خطوة إلى الوراء وننظر إلى الجسم النوراني من حيث كونه أداة خارجية عنا، لا أكثر. وتعود الصعوبة في إدراك هذه الحقيقة في أننا لا نرى إلا السطح الخارجي الظاهر لـ"جبل الجليد"، في حين يظل الجزء الآخر (الأضخم بكثير) من الجبل في اللاوعي، في محيط اللاوعي. اللاوعي، "هو الملجأ لكل ما هو مرفوض أو غير مرغوب". وبالفعل، لا داعي لصرف وقت طويل لندرك بأننا نقضي معظم حياتنا في الرفض: رفض الأحاسيس غير المستحبة، رفض الألم، رفض ما ندعوه بالهفوات والأخطاء، رفض كل ما نعتبره سلبيًا، إلخ. كل هذا يغذي لاوعينا، وبالتالي يُبقي الجسم النوراني مجهولاً بالنسبة إلينا، بحيث تزداد الصعوبة في السيطرة عليه لجعله أكثر نقاوة وشفافية.
الوظيفة الأولى للجسم النوراني – هي تحويل الاهتزازات إلى أحاسيس – تحدث تلقائيًا بدون تدخل العقل؛ فالجسم النوراني لا يسبب مشكلات في وظيفته هذه. المشكلات تبدأ مع وظيفته الثانية التي تبدأ بتصنيف الأحاسيس إلى ملذوذة وغير ملذوذة، أي يبدأ بـ"الحكم" عليها. وفي وظيفته الثالثة، يضيف إلى هذا الحكم الرغبة في استرجاع الأحاسيس الملذوذة ونبذ الأحاسيس غير الملذوذة. فالمشاكل تبدأ إذًا مع التقويمات العقلية الثنوية: ملذوذ/غير ملذوذ، إيجابي/سلبي، فضيلة/رذيلة، التي هي أساس كل التعارضات والتناقضات التي يجب الخلاص منها لنتحرر من سيطرة الرغبات وإنهاء نزاع العواطف والمشاعر التي تتصارع في داخلنا.
يوجد في الكون قانون يدعى "قانون التعويض"، أو قانون التوازن، الذي يعمل على جميع المستويات بدون استثناء. فالمطلق، اللامتجلِّي، يتراءى لنا ككلِّية ساكنة. وما إن يبدأ التجلِّي حتى تبدأ الحركة؛ ولكنها حركة منظمة، متوازنة ومتناغمة ندعوها بـ"الإيقاع الكوني". ويُعبِّر هذا الإيقاع عن نفسه بقانون التعويض أو التوازن أو إعادة التوازن في الكون كلِّه إلى نصابه.
الطريقة المثلى لفهم القوانين التي تتجاوز مداركنا الفكرية هي أن نقيم مقارنات أو مقايسات مع قوانين معروفة على المستوى المادي، استنادًا إلى الحكمة "كما في الأعلى كذلك في الأدنى"؛ وبهذا نستطيع أن نأخذ فكرة صغيرة عن القوانين التي تنظم عمل الكون بأكمله وتسيِِّره. بالإمكان ملاحظة انعكاس "الإيقاع الكوني" على المستوى المادي في حركة البندول في الساعة. فالكل يعلم أنه كلما ازداد ابتعاد البندول عن الخط الشاقولي نحو اليمين ازداد ابتعاده نحو اليسار في حركة معاكسة لإعادة التوازن؛ والعكس صحيح. ومن هذا المنظار نستطيع أن نتخيل قانون التوازن أو قانون التعويض الذي يعمل على كل مستويات الكون المتجلِّي. فظاهرة التجلِّي إذًا شبيهة بالإخلال بهذا التوازن؛ وبالتالي فإن قانون التعويض هو البحث عن التوازن المفقود وإعادته إلى نصابه.
من البديهي أننا سرعان ما نشاهد هذا القانون في عمله بالطبيعة، مثل تعاقب الفصول الأربعة، وتبدل الأيام والليالي. وإذا تراءى لنا أن ذلك غير واضح في مجالات أخرى فإن ذلك يعود إلى أن رؤيتنا محددة بفعل "الزمن".
إننا بالتأكيد قد مررنا، على مستوى المشاعر، بفترة زمنية من الحماس والإثارة، أعقبتها، بعد حين يطول أو يقصر، فترة زمنية من الضغط النفسي. وكلما كانت فترة الحماس والفرح طويلة كانت فترة الحزن والتعاسة النفسية أكثر شدة وعمقًا. وإذا مررنا – استثنائيًا – بحياة كلها سعادة فلنتيقن من أننا سنمر بفترة طويلة من التعاسة في تقمص أو عمر جديد. ولكن، في أغلب الأحيان، لن نضطر للانتظار إلى الحياة القادمة لكي يبدأ التوازن بالعودة إلى نصابه. ونحن نلاحظ ذلك فينا وحولنا يوميًا.
ولكن نتساءل: إذا كان هذا القانون محتومًا ولا مفرَّ منه، فهل نستنتج من ذلك أننا سنبقى على الدوام متقلِّبين من جهة إلى جهة، من الملذوذ إلى غير الملذوذ، من الفرح إلى الحزن، من السعادة إلى التعاسة؟ بالطبع لا. ومع ذلك فهو قانون حتمي. وبدراسة أكثر، سنفهم كيف لن نبقى ألعوبة بين يديه.
لنتخيل وجود "إنسان" معلق على الطرف الأدنى للبندول. فهو بالطبع معلق بحركته القصوى، ويشعر بهذه الحركة في اتساعها وسرعتها. وإذا نجح هذا الإنسان في الصعود إلى قمة البندول فإن تأرجحه يمنة ويسرة مع حركة البندول الاهتزازية سوف تصير أقصر مطالاً وأقل سرعة. فاتساع مطال البندول وسرعته سوف يتناقصان بالنسبة للإنسان بشكل اطرادي مع صعوده؛ فكلما صعد نقصت السرعة والمطال للبندول من اليمين ومن اليسار؛ حتى إذا استطاع الوصول إلى نقطة تثبيت البندول فإنه سيصبح ثابتًا رغم أن حركة البندول تبقى مستمرة.
حياتنا العاطفية شبيهة بحركة البندول، والإنسان الذي يتماهى مع الجسم النوراني يشبه الإنسان المعلق في الطرف الأدنى للبندول؛ إنه يصبح كاللعبة بين يدي القانون، قانون التعويض أو التوازن. والصعود إلى قمة البندول هي بداية محاولة خطو خطوة إلى الوراء والنظر إلى الجسم النوراني بموضوعية ومعرفة حقيقة كونه مغايرًا للذات الحقيقية في الداخل. إنه الوعي الذي يصعد للقمة، وليس الجسم النوراني. فالحركة لا تزال موجودة، والمشاعر هي ذاتها، الملذوذة وغير الملذوذة، لا نحذف منها شيئًا؛ ولكن الوعي الذي يأخذ خطوة إلى الوراء في علاقته مع المشاعر والأحاسيس ويبدأ في القبول بها في تقلُّباتها ويبدأ بفهمها.
الحكيم هو ذاك الإنسان الذي استطاع أن ينقل مركز وعيه إلى نقطة تثبيت البندول والإقامة هناك. فبالنسبة له، نظير كل الكائنات المتجسدة، يدرك أن المشاعر لا تزال موجودة، ولكنها لم تعد تؤثر فيه أو تسبب له الاضطراب. ولكن يجب فهم هذا فهمًا جيدًا، لأن كثير من الناس يعتقدون أن الدواء والعلاج من هذه التقلبات (فرح/حزن، إيجاب/سلب، إلخ) يكون بإبطاء حركة البندول، فيعتقدون أنه مادام الفرح يعقبه الحزن فإن عدم فرحي لن يعقبه حزن! للأسف، هذا النوع من التفكير يعني الانغلاق عن الحياة؛ وبالتالي سيؤدي إلى تباطؤ التطور الإنساني. فالمشكلة لا تكمن في المشاعر بل في التماهي معها.
إذا استطعنا الاحتفاظ في تفكيرنا بصورة البندول في حركته الاهتزازية، عندئذٍ نستطيع القبول بالجانب غير الملذوذ من المشاعر. وحيث يوجد القبول لا نعود نحس بالألم بنفس الطريقة السابقة؛ وربما لن نعود نشعر بالألم بالمعنى الذي نفهمه، ونستطيع، بالتالي، أن نعيش مشاعرنا وأحاسيسنا كوقائع، أي بانتفاء أي "حكم" عليها، ومعاينة التناقض "فنحن ألعوبة لما نرفض وعتقاء ما نقبل". ولذلك يجب أن ندرك جيدًا أنه إذا أردنا أن ننقي جسمنا النوراني يجب علينا استخدامه. فبالعمل مع الأداة نستطيع أن نحسنها للأفضل. والامتناع عن بعض المشاعر يعني بتر جزء من الجسم النوراني. فالادعاء الدائم بـ"السيطرة على الذات" ليس في حقيقته إلا رفضًا يؤدي إلى الإصابة بانعدام الحس الذي يسبب للجسم النوراني الشلل.
لننتقل إلى شكل آخر من الثنائية، ثنائية المحاسن والمثالب، الفضائل والرذائل؛ فهي عظيمة الأهمية لدراسة الجسم النوراني، لأن أخطاءنا وعيوبنا جزء من نفسنا، وهذا الجزء هو الذي نرفضه لأنه لا يعجبنا. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن ذلك هو أيضًا ثنائي من المتعارضات الملازمة للتجلِّي، وأن الواحد منهما لا يكون موجودًا بدون الآخر، وأن الأول متضمن بالكمون في الثاني. فعلى مستوى الشخصية، الثنائية موجودة دائمًا (محاسن/مثالب، فضائل/رذائل، إلخ). قد يبدو ذلك لنا مثبطًا للعزيمة؛ ولكن ليس بنفي "الواقع" نستطيع أن ندركه. فلنقبل إذًا "الوقائع" كما هي، ونلاحظ ماذا يحدث، ولنحاول أن نستخرج منها العِبَرَ والنتائج العملية.
التطور يعني تغيير وجهة النظر، أي المزيد من الإدراك والمزيد من الانفتاح. فصيرورة الإدراك تكون دائمًا مرتبطة بالموضوع المطروح. ولكي نحصل على إدراك جديد مغاير يجب أن "نموت" عن إدراكنا السابق، أي لا نتشبث بأفكارنا وبنظرتنا إلى الثنائية الظاهرية التي صنعناها بأنفسنا بسبب جهلنا للقوانين الكونية.
فلنأخذ كلمة "فضيلة" التي نستعملها في مفرداتنا لتسمية حالات مختلفة. فاستعمالها بصيغة الجمع – "الفضائل" – تعني مزايا، لها نقيض: الرذائل. واستخدامها بصيغة المفرد – "الفضيلة" – تعني ميزة سابقة موجودة فوق تناقضات (فضائل/رذائل)، بمعنى أنها قابلة لفهم هذه التناقضات في تداخلها المحتوم. ففضائلنا ليست، في أغلب الأحيان، سوى تعارضات وردود أفعال يحرِّضها قانون التعويض لما نسميه الرذائل. وإذا بقينا نمتلك هذه الفضائل وبدأنا بالتماهي معها فإننا نبقى للأسف مرتبطين بعالم التناقضات. ولهذا السبب فإن فضائلنا يمكن أن تصير، نظيرة رذائلنا، عوائق لتطورنا، لأن هذا التطور هو العودة إلى الوحدة، وكل ما يعارضها يجب العمل على إزالته من الحياة الباطنية.
يمكننا أيضًا دراسة هذا الموضوع من وجهة نظر مختلفة، وجهة نظر ثنائية الانجذاب/النفور على مستوى أحاسيسنا، ورؤية ما ندعوه بـ"الحب" لنلاحظ ما يحدث لنا. يوجد أشخاص نحبهم وأشخاص لا نحبهم؛ بل توجد في الشخص نفسه خصائص نحبها وخصائص أخرى نكرهها؛ وحتى في أنفسنا يحدث ذلك. بعبارة أخرى، الحب بالنسبة لنا يُعاش في مضمار التعارضات الثنائية (الحب والكراهية).
طبعًا يوجد نوع آخر من الحب الذي ليس له ضدٌّ يعاكسه، ألا وهو "المحبة" التي يجب علينا أن نعيها في جسمنا النوراني، والتي تتضمن "الكل"؛ بمعنى أنها تقبل كل شيء دون "أحكام" مسبقة، وتحب أيضًا وجهي التجلِّي أو ثنائيته دون رفض أحد الحدين في سبيل الآخر: "إذا رأيتني في الضدِّين رؤية واحدة فقد اصطفيتك لنفسي".
لماذا لا نكون أبدًا في سلام مع أنفسنا؟ لأننا عندما نكون في الجانب السلبي وغير الممتع فإننا نرفضه، وعندما نكون في الجانب الإيجابي والممتع، فإن الخوف يتملََّكنا بأن لا نبقى هكذا دائمًا (كالغني الذي يتملََّكه الخوف من أن يصير يومًا ما في الجانب الآخر، في الفقر والعوز).
سلام المشاعر يأتي عندما نجعل من الثنائية المتعارضة (فقر/غنى، إيجاب/سلب، فضيلة/رذيلة) متضمنة في الوحدة الكلِّية، معاشة ومتناغمة، لكي يصبح جسمنا النوراني أداة فعالة، ليس فقط في الاتصال مع الحياة، بل أيضًا في الاتحاد مع كل أوْجُه الحياة المتجلِّية.
هذا القبول لمشاعرنا وعواطفنا، مهما كانت، يسمح لما كان مختفيًا في اللاوعي بأن يصبح تدريجيًا موعيًا؛ حيث لن تعود هناك حواجز من أحكام أخلاقية أو معنوية نضفيها على تعارضات وهمية في جوهرها. وبذلك نبدأ بالتعرف، أكثر فأكثر، على الجسم النوراني. وعندما لا يعود هناك "رفض" لن تعود هناك، بالتالي، "رغبات". فالقبول بالمشاعر، بدون تمييز، يسمح لنا بالتحرر من سطوة الرغبات. فالرغبة ليست إلا اختيارًا للأحاسيس التي نتمنى أن نحس بها أو لا نراها تتكرر من جديد.
وكما أننا لا نستطيع إزالة عيب ما من عيوبنا بكبته، كذلك لا نستطيع التحرر من سيطرة الرغبات أو الشهوات بكبتها في داخلنا، والإيحاء لأنفسنا بأنها غير موجودة. والمبتدئ الذي يسير على الطريق الروحي ينبغي عليه ألا يعتقد سريعًا أنه صار "حكيم زمانه"، وإلا خاطر بكبت عيوبه والإيحاء لنفسه بأنه بدون عيوب وأنه قد حقق الانعتاق من الرغبات والشهوات. نحن لا نكذب على أنفسنا. فإذا فهمنا بشكل واضح صيرورة الرغبة المرتبطة بثنائية الملذوذ وغير الملذوذ، الانجذاب والنفور، فإنه يمكن لنا رؤية جسمنا النوراني ببساطة على مستوى الرغبات والقبول بها. ولكن قبول الواقع بأنه توجد رغبة في داخلنا لا يعني إرضاءها وإشباعها. فعندما نُشبِع رغبة ما، مع احتفاظنا بالإحساس بالذنب، مهما كان خفيفًا (وهذه هي الحالة التي نمر بها عمومًا) فنحن فعليًا لا نقبل بوجود هذه الرغبة، وبهذه الطريقة نساعد على تغذية هذه الرغبة وتنميتها بدلاً من كبحها. وبالعكس، عندما نقبل بوجودها في رؤية واعية فحظنا كبير في أن تفقد هذه الرغبة سيطرتها علينا؛ وعندئذٍ يتبخر كل انجذاب بدون حاجة إلى إرضائه. فإذا كنا حقًا صادقين وأمناء مع أنفسنا، فإن الرغبات تختفي تدريجيًا، وتحلُّ محلََّها التطلعات الروحية الكامنة في أعماقنا التي هي المحرك والدافع في بحثنا الروحي؛ بينما الرغبات المكبوتة، أو التي لا نود رؤيتها في وضح النهار على حقيقتها ونعالجها، تصير عقبة لنا على الدرب الروحي.
توجد في أعماق كل منا تطلعات وأمانٍ روحية سامية؛ ولكن توجد أيضًا رغبات متناقضة مع هذه التطلعات الروحية؛ وعلينا رؤيتها بوضوح لكي نصل إلى الحقيقة السامية. ويكون ذلك بامتلاك الشجاعة على رؤيتها وجهًا لوجه في أعماق الشخصية، ورؤية الجسم النوراني في كل تعقيداته. وكما أن الرغبة المعبَّر عنها في وضح النهار، بدون مواربة، لا تعود رغبة، كذلك الشعور الذي ندركه إدراكًا واعيًا لا يعود شعورًا أو عاطفة بالمعنى المتعارف عليه؛ أي لن يعود إلى إثارة الاضطراب أو ردود الفعل في داخلنا، بل يتركه في سلام وصفاء وهدوء، وكأن الأمر لا يعنينا في شيء. هذا الصفاء هو التعبير الواضح عن الشفافية والحساسية المرهفة – وهي حساسية كلية لأنها لاشخصية. وبالتالي، فإن هذا الصفاء يصبح تعبيرًا عن الغبطة، غبطة الذات العليا التي هي ذاتنا الحقة، غير المخلوقة وغير المجعولة لأنها "كائنة" منذ الأبد، ولكنها كانت كامنة بسبب العواصف العاطفية والانفعالية لجسم نوراني غير مسيطر عليه، لكنه يبدأ باليقظة عندما يصبح متناغمًا وشفافًا. فالشعور هو إذًا الجواب على الاهتزازات القادمة من مستويات شفافة، وهو التعبير المتجلِّي للألوهة بواسطة الشخصية.
إذًا وظيفة الجسم النوراني هي، قبل كل شيء، السماح لنا بالاتصال مع مستوى الأحاسيس والمشاعر، ومن خلال صيرورة تطورنا بعد الخلاص من الرغبات، السماح لنا بالاتحاد والتوافق الكامل مع هذا المستوى، أي التناغم معه. وأخيرًا، وبعد تحقيق تلك الوظيفتين، نستطيع نقل الاهتزازات القادمة من مستويات عليا، وخاصة من المستوى الإشراقي إلى الدماغ، حيث إن الجسم النوراني هو انعكاس للمستوى الإشراقي.
وأخيرًا يبدو أنه من الضروري الإشارة للقارئ بأننا لم نطرح في دراستنا هنا موضوع الاتصالات التي نستطيع القيام بها مع العالم النوراني من خلال الرؤى والوساطة الروحية، أو من خلال بعض الظواهر من النوع ذاته. ولكننا نكتفي بالتساؤل: ما قيمة "الرؤيا" التي تتحقق في العالم النوراني للإنسان غير المتحرر، أي الذي لم يحقق ذاته؟!
إن هذا الإنسان، في الواقع، يرى العالم النوراني من خلال الجسم النوراني الخاص به. وبما أننا عرفنا كم يكون جسمه مضطربًا ومنفعلاً فمن الطبيعي أنه سيرى هذا العالم على غير حقيقته. وحده الإنسان المتحرر يستطيع امتلاك رؤية روحية وموضوعية، لأن جسمه النوراني يكون شفافًا، وبالتالي لا يسبب أي تشوُّه في إدراكاته وفي رؤيته الروحية.
لهذا السبب فإن عملنا الأول يقوم على تنقية الجسم النوراني. وما دام هذا العمل لم يكتمل فإن الاتصالات التي نحققها مع العالم النوراني، أيًّا كانت وسيلتها، لن تجلب لنا سوى صورة مشوهة لهذا المستوى النوراني، مسببة لنا "تراجعًا" روحيًا، بدلاً من مساعدتنا على التقدم على الدرب الإلهي.
وكما أن تنقية الجسم المادي والسيطرة عليه ليستا بهدف جعله أكثر قوة أو جمالاً، بل لجعله أداة شفافة للخدمة في هذا العالم، كذلك ليس هدفنا من تنقية الجسم النوراني هو الظهور بأننا مثال للآخرين وعنوان للفضيلة الظاهرية، بل جعله شفافًا ليعبِِّر الإلهُ عن نفسه من خلاله. وهذا يفوق كل الصفات الأخلاقية التي نتخيلها.
الجسم العقلي الأدنى أو الرغائبي: نبدأ دراسة الجسم الرابع من الأجسام التي تؤلف الشخصية وهي: الجسم المادي، الجسم الأثيري، الجسم النوراني، والجسم العقلي الأدنى أو الرغائبي. ولكن لماذا نقول "أدنى"؟ تذكرون أنه توجد نقطة اتصال بين الشخصية والفردية على المستوى العقلي. وفي نسيج هذا المستوى يتشكل للشعلة الإلهية غلافان متميزان، وهما الجسمان العقليان: الأول ندعوه الجسم العقلي الأدنى، وهو مؤلف من المستويات الأربعة التحتية للمستوى العقلي؛ والثاني يدعى بالجسم العقلي الأعلى أو الجسم العلي causal body، وهو مؤلف من المستويات الثلاثة التحتية للمستوى العقلي أيضًا. وهذان الجسمان مختلفان تمامًا ومتمايزان. فالجسم العقلي الأدنى مرتبط بالجسم النوراني لأن كليهما مركبة أو "أنية" للوعي الشخصي؛ أما الجسم العقلي الأعلى فهو أحد المركبات أو الأجسام التي تعبِّر عن حالة الوعي الفردي. إذًا الجسم الذي يربط بين الشخصية والفردية يوجد على المستوى العقلي – ومن هنا أهمية هذه الدراسة.
إن مختلف الأجسام في الإنسان تتطور وتنتظم تدريجيًا بمقدار تطور الإنسانية، وإن لكل ذرية بشرية أم Mother-race عمل خاص للإنجاز. وعمل الذرية البشرية الأم الخامسة (هي الذرية البشرية الحالية التي ننتمي إليها) يتضمن تطوير الجسم العقلي الأدنى تحديدًا. وهذا التطور لم يكتمل بعد في الإنسانية ككل، أو على الأقل بشكل غير متكافئ بين أفراد البشرية. وهذا ما يفسر الاختلافات في درجة الإدراك والفهم بين الكائنات الإنسانية، بين إنسان وإنسان. وعمليًا، جميع مشاكلنا تعود في جذورها إلى الجسم العقلي الأدنى. فشكله البيضاوي مصنوع، كما قلنا، من المستويات الأربعة التحتية الدنيا للمستوى العقلي؛ وتركيبته الذرية أو الاهتزازية أقل أو أكثر شفافية، وتتحدد في أثناء الولادة، نظيرة تركيبة الجسم النوراني، بواسطة الاهتزازات المتضمنة في الذرة العقلية الدائمة التي احتفظت بجوهر الخبرات العقلية للتجسد السابق.
أما فيما يخص النسيج الذي صُنِعَ منه الجسم العقلي الأدنى فنقول عنه ما كان يجب أن نقوله في أثناء حديثنا عن الجسم النوراني: إنه يدعى "الجوهر العنصري". فما هو هذا الجوهر العنصري أو الذات العنصرية؟ إن الحياة التي تحيي الكائن الإنساني قد اجتازت تجارب الممالك المعدنية والنباتية والحيوانية قبل دخولها المملكة الإنسانية. فإذا أخذنا في الاعتبار أن الحياة تنزل أو تبدأ في الحلول والانتشار من المستويات الإلهية وصولاً إلى المستوى المادي، قبل عودتها إلى الصعود إلى المستويات الإلهية من جديد، ندرك أن المملكة المعدنية توجد على النقطة الأخفض على القوس المنحني والأكثر بعدًا عن الألوهة. إذًا ماذا يحدث للحياة على الجزء الهابط من القوس المنحني، أي ما قبل المرحل