نوستراداموس العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نوستراداموس العرب

الموقع الرسمى للفلكى الدكتور- احمد محمد شاهين( عضو الاتحاد الامريكى للفلكيين المحترفين )- موبايل : 00201153733760 - 00201099635212
 
الرئيسيةالرئيسية  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  أحدث الصورأحدث الصور  

 

 التاسوعية الثانية لافلوطين فى الهيولاتين - نشرت بتاريخ : 28-3-2011

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفلكى احمد شاهين
Admin
الفلكى احمد شاهين


عدد المساهمات : 1260
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

التاسوعية الثانية لافلوطين فى الهيولاتين - نشرت بتاريخ : 28-3-2011 Empty
مُساهمةموضوع: التاسوعية الثانية لافلوطين فى الهيولاتين - نشرت بتاريخ : 28-3-2011   التاسوعية الثانية لافلوطين فى الهيولاتين - نشرت بتاريخ : 28-3-2011 Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 21, 2011 7:53 pm


إنّما المادّة محلّ الصّور والقابلة لها ؛ ذلك ما كان الرّأي المشترك لكلّ الّذين كانوا قد أدركوا معنى هذا الموجود. وإن كان هؤلاء قد اتّفقوا هاهنا، لكنّهم قد اختلفوا في كلّ هذه المسائل، وهي : أيّ شيء طبيعة ذلك المحلّ ؟ وكيف يمكنها أن تقبل الصّور ؟ وأيّ شيء هي عساها أن تقبله ؟

فطائفة منهم تقول بأنّ المادّة واحدة، وبأنّها محلّ العناصر وجوهرها، لكونهم كانوا يثبتون بأنّ الأجسام هي الموجودات الوحيدة وهي الجوهر الوحيد؛ أمّا سائر الأشياء، والعناصرَ نفسها، فماهي إلاّ أحوال المادّة وأنحاء في وجودها؛ بل لقد بلغ أمرهم إلى أن وصفوا بها الآلهة نفسها، بأن زعموا بأنّ الله نفسه ليس هو سوى ضربا من ضروب المادّة. وهم أيضا قد نسبوا الجسميّة للمادّة إذ قد دأبوا على حدّها بكونها جسما عاريا عن الكيفيّات؛ وكانوا يثبتون لها المقداريّة.

أمّا الطّائفة الثّانية، فكانت تقول بأنّ المادّة هي لا جسميّة؛ وطائفة ثالثة كانت تقول بأنّ هناك نوعين من المادّة، أي نوعا أوّلا وهو محلّ الأجسام ( و هو نفس ما كانت تسلّم به الطّائفة الأولى )، ونوعا ثانيا شأنه أنّه يوجد متقدّما عن النّوع الأوّل، ويقوم بعالم العقل بنحو محلّ الصّور ومحلّ الماهيّات العقليّة.

2. فللنظر أوّلا إن كان هذا النّوع الثّاني من المادّة صحيحا وجوده، وأيّ شيء هي، وبأيّ نحو من الأنحاء هي توجد ؟ لقد قيل إنّ المادّة لكونها موجودا لا محدودا و غير ذي صورة، فلا يمكن أن توجد في ذلك العالم، عالم الموجودات الشّريفة. كذلك، فإنّ كلّ موجود معقول موجود معقول، فهو بسيط الذّات؛ فإذًا هو غنيّ عن المادّة، إذ أنّ موجودا ما، حادثا عن مادّة وشيئا آخر، فهو مركّب. وأيضا الأشياء الحادثة، والمتغيّرة من حال إلى حال تكون لا محالة مفتقرة للمادّة، وهو إنّما من أجل ذلك كنّا قد أثبتنا مادّة الموجودات الحسّيّة. فعسى ألاّ تكون الأشياء الغير الحادثة فقيرة للمادّة. وإلاّ فمن أين عساها أن تكون قد وردت إليها، ولأيّ شيء هي تكون موجودة ؟ أ هي حادثة أم أبديّة ؟ وإن كانت حادثة، فمن أحدثها ؟ وبأَخَرَةٍ، فالمادّة إذَا تُضَمُّ للصّورة فإنّما ينشأ عن ذلك مركّب هو الجسم؛ فيكون إذًا هناك جسم في عالم المعقول.

3. فليكن جوابنا أوّلا : ألا لا نحتقرنّ أبدا اللاّمحدود؛ ألا لا نحتقرنّ ذلك الموجود الّذي إذا نُظِرَ إليه في ذاته فقيرا من الصّورة، ظهر بنحو محلّ الموجودات العالية والشّريفة. فإنّما حالها كحال النّفس في علاقتها بالعقل : فالنّفس إِذْ يصوّرها العقل يزيدها شرفا في الوجود. ثمّ إنّه كذلك لتوجد أشياء ذات تركيب في عالم الموجودات المعقولة، وهذه الأشياء ليست بالأجسام البتّة؛ كالعقول البذريّة : فهي مركّبة، وتُدْخِلُ الترّكيب بالفعل في الطّبيعة، إذ الطّبيعة تفعل بغاية تصوير الأشياء. وإذ الطّبيعة إنّما تفعل في أشياء مغايرة لها، وكانت ناشئة عن موجود مغاير لها، فهي إذا أشدّ تركيبا من العقل. وأيضا فمادّة الموجودات الحادثة إنّما تتلقّى أبدا صورا ذات تجدّد؛ أمّا مادّة الموجودات الأزليّة فإنّها تبقى هي هي أبدا؛ فغير شكّ أنّ المادّة المحسوسة على عكس المادّة المعقولة؛ ففي العالم الأسفل الصّور إنّما تنتشر على أجزاء، وفي آن واحد لا يمكن أن يُلْفَى في موجود موجود إلاّ صورة واحدة؛ فلا ثبات لواحدة منها هناك، وكلّ صورة تطرد الأخرى، ولا شيء بِبَاقٍ هوهو. أمّا في العالم الأشرف، فالكلّ يوجد معا، والمادّة لا تكون مُضْطَرَّةً لأن تتغيّر لكونها إنّما هي تكون مشتملة على كلّ الصّور. صحيح أنّ المادّة المحسوسة أيضا لا تَعْرَى أبدا عن الصّورة، لكنّ ذلك إنّما لها على نحو مغاير. ولكن لنا أن نسأل: المادّة المعقولة، أهي أزليّة أم حادثة ؟ إنّنا بعد أن نكون قد استوفينا حقّ الاستيفاء معرفة كنهها هي، فعسى أن نأتى بواضح الجواب لهذا السّؤال.

4. لنسلّم بوجود المثل ( وهو ما كان قد ثبت في موضع آخر)، فالمثل إنّما هي كثيرة، فإذًا بالاضطرار هو يوجد في كلّ مثال مثال شيء ما مشترك، وشيء آخر خاصّ يفارق به كلّ مثال غيره من المثل. وهذا الشّيء الخاصّ والفصل الّذي ينحاز به المثال عن غيره إنّما هو صورته المخصوصة. ولكن إذا وُجِدَتِ الصّورة، فلا محالة يوجد ما الصّورة تُصَوِّرُهُ، ويكون محلّ ذلك الفصل. فإذًا هو توجد مادّة تتلقّى الصّورة، و يوجد المحلّ.

وأيضا ففي الأعلى هناك عالم العقل، و عالم الحسّ هو مُضَاهٍ له؛ وإذ كان هذا العالم مركّبا من مادّة وصورة، فإذًا يوجد لا محالة مادّة في العالم الآخر.إذ ليت شعري كيف يكون جائزا أن نطلق عليه اسم العالم ولا نستحضر في ذهننا صورته، وكيف يسوغ أن نتصوّر صورة من غير شيء تصّوره هذه الصّورة ؟ وقد يجيب مجيب: إنّما هو لا منقسم. إنّه غير منقسم لا محالة لو أخذناه على الإطلاق، ولكنّه إنّما يناله نوع من أنواع الانقسام؛ وإن صحّ وُجود أجزاءه منحازة بعضها عن بعض، فقد صحّ إذًا وجود المادّة. لأنّ القطع والفصل هما عرضان يعرضان للمادّة. فإنّما هي المادّة الّتي شأنها أن ينالها هذان الفعلان. وإذَا كان هذا العالم مع أنّه كثير، فهو لا منقسم، كانت هذه الكثرة في الوحدة كأنّها في مادّة؛ إذ الكثرة فيه إنّما هي كثرة صوره، ولا يكون سائغا تصوّر وحدته إلاّ بنحو اختلاف بتوسّط كثرة من الصّور ؛ ولو رفعنا هذا الاختلاف، لصارت وحدته عارية من الصّورة؛ فهب أنّك قد رفعت رفعا ذهنيّا الاختلاف، والصّور والعقول، وموضوعات التّعقّل، فما قد يتبقّى لن يكون إلاّ غير ذي صورة و لامحدودا؛ وكلّ ما كان في تلك الوحدة مقترنا بها، فهو إلى زوال.

5. وإن قيل : " إنّما هذه الوحدة تشتمل أبدا على هذه الصّور؛ فالصوّر والوحدة ليست إلاّ شيئا واحدا؛ فإذًا لا ثبوت للمادّة "، فإنّه يلزم عن هذا أنّ المادّة لا توجد أيضا في الأجسام : فالجسم لا يوجد البتّة عاريا من الصّورة، وهو أبدا مجموع صورة و مادّة. ومع ذلك فهو مركّب، والذّهن قادر على الوقوف على اثنيّته؛ إذ هو قادر على أن يذهب غاية الذّهاب في تحليله حتّى يصل إلى حدّ بسيط لا يقبل التّحليل. فالذّهن شأنه أن يحلّل قدر ما يستطيع، وأن يبلغ إلى قَعْرِ الوجود. وهذا القعر إنّما هو المادّة، ولذلك كانت المادّة مظلمة. أمّا النّور الّذي يضيئها فهو الصّورة. إنّما العقل يرى الصّورة، وهو حينما يرى الصّورة في موجود ما، فإنّه يحكم بأنّ قعر ذلك الموجود إنّما هي ظلمة مُسْتَكِنَّةٌ تحت النّور؛ كما هو الحال لدى العين المستنيرة، فهي حينما تُلْقِي ببصرها إلى النّور أو الألوان الّتي إنّما هي أنواع نورانيّة، فشأنها أن تتبيّن وجود قعر مظلم ومادّي يستتر وراء السّطح الملوّن.

إلاّ أنّ هذا المبدأ المظلم هو في الأشياء المعقولة يختلف غاية الاختلاف عنه في الأشياء المحسوسة. فمادّة هذه ومادّة تلك لتختلفان اختلاف الصور الّتي تنضاف لكلّ منهما. فالمادّة الإلاهيّة تنال الحدّ، وهي تملك حياة يخلعها عليه حَقَّ الخلع عقل ما؛ وأيضا المادّة الحسّية هي تنقلب شيئا محدودا، لكنّها لا تكون لا حيّة ولا معقولة، بل إنّما هي لَشَيْءٌ ميّت قد ناله النّظام. إنّ الصّورة في الأجسام لا تكون إلاّ خيالا، ومحلّها إذًا أيضا يكون كذلك. أمّا في العالم الأشرف، فالصّورة إنّما هي حقيقة؛ ومحلّها إذًا أيضا يكون كذلك. وأولائك الّذين يقولون بأنّ المادّة هي جوهر، كان يكون قولهم صحيحا لو عنوا بها المادّة المعقولة؛ إذ أنّ محلّ الصّور هنالك إنّما بحقّ هو جوهر، أو على الأحرى، إنّه هو الجوهر منظورا إليه مقترنا بصورته الّتي هي فيه لَلْجَوهر على الكمال والمُتَشَرِّبُ نورانيّةً.

ولسائل أن يسأل : هل المادّة المعقولة أزليّة ؟ وهو في نفس معنى السّؤال عن المُثُلِ إن كانت هي أزليّة ؛ فالمثل هي حادثة من جهة كونها ذات مبدأ، ولكنّها هي لاحادثة من جهة أنّه لا أوّليّة لها في الزّمن؛ وهي لأنّه كانت قد لزمت عن مبادئها لزوما أزليّا، فإنّها ليست في تغيّر أبديّ كحال عالم الحسّ، وإنّما توجد وجودا أزليّا على نحو العالم العقليّ. فإنّما الغيريّة العقليّة الّتي تنشأ إنشاء منذ الأزل المادّة؛ إنّها هي مبدأ المادّة، وأيضا مبدأ الحركة الأولى. وكذلك الحركة فهي ينطلق عليها اسم الغيريّة، لأنّ الحركة والغيريّة إنّما قد ظهرا معا. وإذا كانت الحركة والغيريّة هما شيئين لا محدودين، فإنّهما لكونهما ناشئين عن الأوّل، فهما إذًا لمَفْتَقِرَانِ له حتّى ينالا الحدّ، وهما ينالانه بأنّ يَؤُمَّانِهِ الاثنان؛ إذ هما قبل أن يؤمّانه، تكون المادّة أو الغيريّة لا محدودة، وتكون لا خيّرة وفقيرة من نور الخير. فإذَا كان النّور إنّما يَرِدُهَا من الخير، ففي ذاتها، إذ هي إنّما تقتبس النّور، لا تكون نيّرة حتّى تقتبسه، فإذًا ليست هي النّور، وإنّما تقتنيه لكونها تناله من غيرها. ولكن حسبنا ما قد كشفنا عنه فضل الكشف في أمر الهيولى المعقولة.

7. فلنفصّل القول الآن في هيولى الأجسام، أي في القابلة. إنّه يوجد لا محالة في الأجسام محلّ مغاير للأجسام نفسها؛ والدّليل على ذلك هو تغيّر العناصر بعضها إلى بعض؛ ذلك لأنّ فساد عنصر ما حين تغيّره لايكون هلاكا له مطلق الهلاك؛ فالجوهر لا يجوز فيه البتّة الفناء أو الانمحاء. وبالعكس، فالعنصر الحادث يمتنع أن يكون قد انتقل من العدم المطلق إلى الوجود. فالتّغيّر يكون من صورة إلى أخرى، ولكنّ هذا التّغيّر لا ينال البتّة من محلّ شأنه أنّه يتلقّى الصّورة الجديدة، ويفقد الصّورة القديمة. هناك دليل آخر، وهو أمر الفساد، إذ الفساد لا يَعْتُورُ البتّة إلاّ موجدا مركّبا؛ لذلك فإنّ موجودا ما يناله الفساد، فلا محالة مكوّن من مادّة وصورة. وقد جرت العادة أن ندلّل على أنّ موجودا ما يناله الفساد إنّما هو مركّب، بطريقين، طريق الاستقراء، وطريق التّحليل : فمثلا الصُّوَاعُ إذا فسد، فيفسد إلى تِبْرٍ، والتّبر إذا فسد فيفسد إلى ماء؛ والماء أيضا في فساده سبيله ذلك السّبيل؛ إذ الاسطقس، إمّا أن يكون صورة، وإمّا أن يكون هيولى، أو أن يكون مركّبا من صورة ومادّة : فأن يكون صورة فمستحيل، إذ أَنَّى للأسطقس أن يكون ذا مقدار، وذا حجم من غير مادّة ؟ وأن يكون هيولى، فكذلك مستحيل؛ لأنّ الأسطقس هو يفسد؛ فبقي إذًا أنّه مركّب من صورة ومادّة. فصورة الأسطقس هي الّتي تكيّفه وتنوّعه؛ أمّا هيولاه، فإنّها محلّ لا محدود لكونه ليس هو بالصّورة.

أببذقليس كان يعدّ الاسطقاسات على أنّها هي الهيولى؛ إلا أنّ فساد هذه لَيَقوم شاهدا على كذب رأيه. أمّا أنكساغوراس، فيرى أنّ المادّة هي خليط الكلّ؛ وهذا الخليط ليس به قوّة فقط على أن يصدر منه كلّ شيء، بل إنّ كلّ شيء فيه هو كامن بالفعل. وإنّه لَبذلك إنّما يُبْطِلُ العقل الّذي كان يثبته، لأنّه لن يكون هو حينئذ الّذي يخلع الصّورة والماهية، ولأنّه لن يكون أيضا متقدّما عن الهيولى، بل موجودا مقارنا لها. ولكن هذه المقارنة مستحيلة؛ وذلك لأنّ الخليط لمّا كان يشارك الوجود، فالوجود هو متقدّم عليه؛ فلو كان الخليط موجودا كوجود ذلك الموجود، فسوف يكون لِزَامًا أن يتقدّمهما الاثنين موجود ثالث. وأيضا، وكما كان يرى هو نفسه، فلو كان الصّانع بالاضطرار متقدّما، فما كانت حاجته بأن يكون قد خلع الصّور أجزاء صغيرة أجزاء صغيرة على المادّة ثمّ قد عهد إلى العقل أمر تَنَخُلِّهَا باطِلَ التّنخّل، وهو قد كان قادرا غاية القدرة على أن يبسط الصّور والكيفيّات في هيولى غير ذات كيفيّة حيثما شاء. وبِأَخَرَةٍ، كيف لم يكن بَيِّنًا امتناع أنّ يكون الكلّ في الكلّ ؟

هناك رجل آخر كان يرى بأنّ المادّة هي اللاّمتناهي. فأيّ شيء اللاّمتناهي ؟ ألا فليبيّنه لنا. هل هو ذلك الّذي لا يمكن أن نستوفي نهايته ؟ إن كان ذلك كذلك، فلن يكون إذًا ممكنا للاّمتناهي أن يوجد في الموجودات. فهو لا يوجد لا في ذاته، و لا في شيء مغاير لذاته، على نحو ما يوجد العرض في الجسم، مثلا : فإنّه لا يوجد في ذاته، لأنّ جزءا من أجزاءه سوف يكون بالضّرورة لا متناهيا؛ أمّا لو كان اللاّمتناهي عرضا، فحينئذ الموضوع الّذي اللاّمتناهي عرض له، سوف لن يكون لا متناهيا بذاته. فاللاّمتناهي إذًا لا يمكن أن يكون شيئا بسيطا، و لا أن يكون هيولى لا محالة.

والأجزاء الّتي لا تتجزّأ لا يمكن أيضا أن تكون الهيولى، فهي غير موجودة؛ إذ أنّ كلّ جسم جسم، فمنقسم إلى ما لا ناهية ؛ فالأجسام متّصلة، وأيضا المائعة منها. وأيضا فمتتنع أن يوجد شيء من الأشياء لايكون فيه عقل أو روح، وكلاهما لا يمكن أن تكون نشأتهما عن أجزاء لا تتجزّأ. و لا هو كذلك ممكن أن تتخلّق من أجزاء لا تتجزّأ طبائع تكون مختلفة عن هذه الأجزاء الّتي لا تتجزّأ نفسها. فلا صَنَاعٌ واحد يمكنه أن يصنع شيئا من الأشياء من مادّة لا متّصلة. وقد نذكر شكوكا كثيرة أخرى على هذا الرّأي كانت أيضا قد قيلت؛ لذلك فلا فائدة في أن نتولاّها بزيادة بحث.

8. فأيّ شيء إذًا هذه المادّة ذات الاتّصال والّتي هي عارية عن الكيف. إنّها لا محالة ليست جسما، لكونها عارية عن الكيف. وإلاّ فلو كانت جسما لكانت ذات كيف. وإذ نقول بأنّها مادّة الأشياء المحسوسة كلّها، فهي ليست تلك المادّة الّتي تكون مادّة أشياء مخصوصة، وصورة بالإضافة إلى أشياء أخرى، ( مثل الطّين الّذي هو مادّة الخزفي، ولكنّه ليس هو هيولى على الإطلاق )، فالأمر إنّما يتعلّق بما هو مادّة الأشياء المحسوسة بأسرها. وهذه إنّما نمنع أن نثبت لها أيّ صفة من صفات الأشياء المحسوسة، وليس فحسب صفات كاللّونيّة، والحرارة، والبرودة، بل وأيضا، الخفّة والثّقل، والكثافة والتّخلخل، ونفس الشّكليّة والمقداريّة. إذ ليس واحدا أن يكون الشّيء مقدارا، و أن يكون موصوفا بالمقدار. وليس واحدا أن يكون الشيء شكلا، و أن يكون مُتَحَلِّيًا بالشّكل. ثمّ إنّ المادّة لا يجوز فيها التّركيب، إذ هي إنّما في جوهرها بسيطة وواحدة لأنّها عارية عن كلّ لا حق لا حق. لذلك فإنّ الموجود الّذي يهبها الصّور إنّما يهبها أيضا صورا مغايرة لطبيعتها هي. فالمقدرايّة وكلّ صفة أخرى حقيقيّة صفة أخرى حقيقيّة فبنوع ما إنّما تكون قد زادها ذلك الموجود. وإلاّ فإنّ هذا الموجود كان سيكون مُذْعِنًا لمقداريّة المادّة، وما كان ليفعل ما قد شاء هو، بل كما تكون قد شاءت المادّة. وكان سيكون القول بأنّ ذلك الموجود إنّما وافقت إرادته إرادة المادّة ضربا من الوهم. وأيضا إنّه بيّن أن المبدأ الفاعل إنّما يتقدّم المادّة، فالمادّة إذًا إنّما توجد أبدا كما يكون قد شاء لها ذلك المبدأ. وإذ هي في حقيقتها إنّما استعداد لأن تكون أيّ شيء، فهي أيضا لَقَوِيَّةٌ لأن تتلقّى المقداريّة. وأنت تعلم أنّ الصّورة بورودها على الهيولى، فإنّها تجلب لها معها سائر الصّفات الأخرى كلّها، و لاسيّما فكلّ صورة صورة، فهو يلزم عنها مقدار معيّن أو بُعْدٌ معيّن تَبُثُّهُ العلل البذريّة ويكون مقترنا بها. فكلّ جنس من الوجود، له مع الصّورة مقدار معيّن. إذ قياس الإنسان ليس هو نفسه قياس العصفور، وقياس العصفور ليس هو نفسه قياس ذلك العصفور. وبِأَخَرَةٍ أفلا ترى أنّ عَدَّنَا لكون الكمّ في المادّة ووجود الكيف فيها لَأَمْرين مختلفين، إنّما هو لشيء محيّر ؟ وذلك لأنّه إذا كان الكيف صورة، فلِمَ لا يكون الكمّ أيضا صورة لكونه إنّما هو مكيال وعدد ؟

9 .ولقائل أن يقول، أَنَّى للذّهن أن يتعقّل موجودا غير ذي مقدار ؟ إنّ هذا الموجود إنّما بحذافيره هو عين ما ليس بالمماثل للكمّ؛ فأن يوجد هو أن يكون فقيرا من الكمّ؛ وهو يمكن أن يوجد موجود أنحاء أخرى من الوجود غير أن يكون ذا كمّ. فعَامَّةً، إنّ كلّ موجود لا جسميّ موجود لا جسميّ فلا محالة لا يُعَدُّ إلاّ عاريا من الكمّ؛ والمادّة هي لا جسميّة. وأنت تعلم أنّ الكمّ إنّما هو غير الموجود ذي الكمّ. فهذا الموجود إنّما يشارك الكمّ. و أيضا فإنّه لَبَيِّنٌ أنّما الكمّ هو صورة. كذلك فإنّ موضوعا ما يصير أبيض بوجود البياض فيه؛ لكنّ المبدأ الّذي يحدث في حيوان ما، البياض أو ألوانا أخرى مختلفة، ليس هو نفسه لونا متنوّعا، وإنّما بنوع ما، علّة متنوّعة : كذلك المبدأ الّذي يُحْدِثُ كمّا معيّنا ليس هو ذلك الكمّ المعيّن، بل كمّا في ذاته، أو كمّا مطلقا، أو معنى الكمّيّة. والكم الّذي يطرأ على المادّة أليس قصاراه إنّما أن يبسط المادّة وأن يمطّطها إلى مقدار ؟ كلاّ ؛ فالمادّة لم تكن مطويّة في مكان ضيّق؛ والمبدأ الواهب للصّور إنّما يهبها مقدارا لا يكون موجودا البتّة من القبل، كما هو كان يهبها صفات لم تكن تملكها من قبل.

فكيف لنا أن نتعقّل عدم المقداريّة هذا في الهيولى ؟ وكيف لنا أن نتعقّل الهيولى عارية من الكيفيّة ؟ أيّ معنى معناها ؟ وأيّ أثر قد ينطبع منها في الذّهن ؟ إذ أفليست إنّما هي نفس اللاّتعيّن ؟ وإذا كان الشّبيه لا يُدْرَكُ إلاّ بالشّبيه، فلا محالة لا سبيل لأنّ نتعقّل اللاّمتعيّن إلاّ بلا متعيّن. فإذًا قد يتحصّل لنا في الذّهن معنى محصّل للاّمتعيّن. ولكنّه هو غير ممكن أن يتحصّل في الذّهن من اللاّتعيّن إلاّ انطباعا لا متعيّنا. والمعرفة لا تكون إلاّ بالعقل والذّهن. لكنّه غير ممكن أن يكون كلامنا في الهيولى كلاما مُنْتَظِمًا، بل إنّه كلّما رمنا الوقوف عليها بالعقل، فنحن لا نظفر البتّة بتعقّل لها، بل برفع لكلّ تعقّل تعقّل؛ وإنّه غاية ما نناله إنّما هو تصوّر لها لَقِيط وباطل أنشأه الغير الذّي هو وهم، ولا صورة له إلاّ صورة الغير.

وهذا الّذي كان رأي أفلاطون حين قال " إنّه يتعقّلها تعقّل لقيط". فأيّ شيء لا تعيّن النّفس هذا ؟ أهو جهل كامل، وارتفاع كلّيّ للمعرفة ؟ كلاّ، فاللاّتعيّن فيه شيء ما مُحَصَّلُ؛ فالظّلمة عند العين هي هيولى الألوان جميعا : ولكنّ النّفس وإن رفعت عن الأشياء الحسّيّة صورها كلّها الّتي هي فيها كالنّور؛ فإنّه ما قد يبقى لَمُمْتَنِعٌ عليها أن تحصّله؛ فيكون حالها حينئذ كحال العين في الظّلمة قد صارت مماثلة لها وكأنّها تراها ضربا من الرّؤية. ولكنّ النّفس هل تكون ترى على التّحقيق ؟ إي نعم، إنّها ترى، كما لو كانت تشاهد أقبح الموجودات، إذ هي غير ذات لون، وغير ذات نور، بل، وغير ذات مقدار كانت النّفس تكون به قادرة على خلع الشّكليّة على الهيولى. ولكن ذلك الانطباع الحاصل في النّفس ألا يكون معناه نفس معنى أنّ النّفس لا تتعقّل شيئا من الأشياء ؟ وإذا كانت هي لا تتعقّل شيئا، فإذًا إنّها غير قادرة على أن تقول قولا من الأقوال؛ بَله، إنّها تكون عادمة لكلّ انطباع؛ ولكنّها إذا تعقّلت الهيولى، فإنّه يرد عليها كالانطباع لماهو معدوم الصّورة. ولذلك، فهي إذا تعقّلت أشياء ذوات صورة أو مقدار، تعقّلتها على أنّها مركّبة، على أنّها ملوّنة، أو مكيّفة بكيفيّات أخرى. وإذ هي تتعقّل الكلّ، فلا محالة هي تتعقّل جزئيها؛ ولكن الصّفات المحسّة أو المتعقّلة، فإنّها تبين واضح البيان؛ أمّا ذلك المحلّ المدرك، فيبقى مظلما لكونه معدوم الصّورة. فما قد تدركه النّفس فى الكلّ المركّب مقترنا بصفات، فإنّما يمكنها أن تفصله وتجرّده عن الصّفات؛ لكنّ ذلك الّذي يتبقّى بعد تجريد الذّهن، فالنّفس تتعقّله تعقّلا غامضا، لكونه هو نفسه مظلما. فالنّفس إذًا لكونها قد لفّتها تلك الظّلمات، كانت تتعقّل ولكنّها لا تتعقّل على الحقيقة. ولكون الهيولى نفسها لا يمكن أن تتعرّى عن الصّورة، ولكون المواضيع لا تخلو أبدا عن الصّور، فالنّفس الّتي إنّما تكون تكابد ذلك اللاّتعيّن، ما تلبث أن تخلع الصّورة على الهيولى، لخشيتها نوعا من الخشية، أن تخرج من الوجود إن هي أطالت الثّواء في اللاّوجود.

11. ولكنّه فما حاجتنا لتحقّق الجسم إلىشيء آخر غير المقداريّة والكيفيّات ؟ ذلك لأنّ تلك المعاني لا غنى لها عن محلّ تقوم به. أي إلى حجم ما، و مقداريّة ما؛ ولو كان عاريا عن المقداريّة، ما كان ليكون له محلّ يتلقّاها فيه. وأيضا فماكانت تكون فائدة الحجم من غير الامتداديّة، لأنّها إذا هي ليست تقوّم الصّورة والامتداد، فلا يمكنها أن تقوّم البعد و الامتداد الّذين إنّما هما ظاهر فيهما أنّهما يطرآن على الجسم من جهة الهيولى؟ ولقائل أن يقول : لننظر إلى أفعال الموجودات، وآثارها، وزمنها، وحركتها؛ فكلّ تلك الخاصيّات الّتي هي حقّة حقّ الحقّ، هي ليس لها ولو محلّ واحد؛ فأيضا لا ضرورة للأجسام العنصريّة أن تكون ذات هيولى؛ فكلّ عنصر عنصر، إنّما هو كلّ، وما اختلافها وتنوعّها إلاّ لكون كلّ واحد منها إنّما هو خليط من صور كثيرة. فإذًا ما وضعتموه من مادّة غير ممتدّة إنّما هو عبارة بلا معنى. فالجواب، أوّلا إنّه لا ضرورة في أن تكون القابلة حجم، إلاّ إذا كانت المقداريّة موجودة لها لمعنى آخر؛ أفلا ترى النّفس كيف هي تتلقّى الكلّ وكيف تشتمل عليه معا؛ فلو كان الامتداد صفة من صفاتها، لكانت تتلقّى كلّ موضوع موضوع في الامتداد. وأيضا، فالهيولى إنّما تتلقّى الصّور في الامتداد لقدرتها على تلقّي نفس الامتداد : كذلك النّبات والحيوان، فإذا تزيّدت تزيّدت كيفيّاتها بالتّساوق، وإذا تنقّصت، تنقّصت كيفيّاتها بالتّساوق. ولمعترض أن يعترض، إنّما ذلك لأنّ هذه الحيوانات من أوّل أمرها لهي ذات مقدار كان لها كالمحلّ لصورتها. فنجيب : كلاّ؛ وذلك لأنّ هيولى الحيوان هي غير الهيولى على العموم، وإنّما هي هيولاه المخصوصة؛ أمّا الهيولى على العموم فإنّما تنال نفس مقداريّتها من غيرها. فإذًا قابلة الصّور لا يمكن أن تكون حجما. لكنّه إنّما بمقارنتها الحجم إنّما تنال سائر كيفيّاتها؛ وهي لئن تُتَوَهَّمُ على أنّها حجم، فلكونها بها قوّة على أن تتلقّى الحجم قبل غيرها من الأشياء الأخرى كلّها ( لكن هذه الحجم المتهوّم هو حجم خاو، فمن أجل ذلك قد قيل بأنّ الهيولى هي نفس الخواء). وأصل صورة الحجم هذه هو أنّ النّفس حين تقترب من الهيولى لا تجد ما تعيّنه البتّة، فتنساق إلى اللاّمتعيّن. فلا حدّ يحويها، ولا دليل يدلّها حيث تذهب فيقوم لها مقام الحدّ. فلا يجوز إذا أن نقول بأنّ ذلك اللاّمتعيّن هو كبير أو صغير؛ إنّه كبير وصغير. أن يكون جرما، فليكن جرما، لكنّه جرم لا متمدّ، والأصحّ أن نجعله هيولى الحجم؛ إنّه يتقلّص من الكبر إلى الصّغر؛ ثمّ يضخم بنوع ما، من الصّغر إلى الكبر، إنّما الهيولى مساوقة له. فلاتناهي المادّة إنّما هو المكان مؤوّلا بنحو ذلك التّأويل، إنّه قابلة المقدرايّة في الهيولى.

ولكن تلك هي صور عن الهيولى. ومن الموجودات اللاّممتدّة، نلفى الصّورة الّتي هي محدودة ولا تشوبها البتّة شائبة المكانيّة؛ ومع ذلك، فتوجد الهيولى الّتي هي لا محدودة، متحيّرة بالذّات، لا تنقطع البتّة عن طلب الصّورة، مطاوعة لكلّ تأثير تأثير؛ إنّها تتكثّر بأن تتنقلّ لكلّ جهة يعتورها تغيّر دائب؛ وهي لهذا المعنى إنّما كانت ذات نسبة بالمكان.

12. إنّ الامتداديّة تُقَوِّمُ إذًا الجسم؛ لأنّ صور الأجسام إنّما توجد في الامتداد؛ إلاّ أنّ الصّور هذه ليست بحادثة في الامتداد، بل فى المحلّ الّذي يتلقّى الامتداديّة. لأنّها لولم تكن حادثة في المادّة، وكانت حادثة في الامتداديّة، لكانت تكون هي نفسها عارية عن الامتداديّة والمحلّ؛ لتكون عللا ليس غير، وما كان ليوجد جسم من الأجسام، لكون العلل إنّما توجد في النّفس. فبالاضطرار إذًا أنّه في الأمور المحسوسة، الصور الكثيرة هي تنشأ في محلّ واحد، وهذا المحلّ شأنه أنّه يتلقّى الامتداديّة، ولا يكون هو نفسه امتداديّة.

وجوابنا عن الاعتراض الثّاني، هو أنّ عناصر الخليط ، إنّما تتّحد في موجود واحد، لأنّها كلّها لذات هيولى واحدة؛ وهي لئن لم تحتج لهيولى أخرى، فذلك لأنّ كلّ عنصر عنصر، فهو يجلب إليه هيولاه المخصوصة. ومع ذلك فهي لا بدّ لها من قابلة واحدة تكون لها بنحو الوعاء، أو المكان. لكنّ المكان هو متأخّر عن الهيولى والجسم؛ فالجسم إذًا في أوّل أمره محتاج لمادّة.

أمّا كون الأفعال، والأعمال لا تقوم بمادّة، فلا يلزم منه البتّة أنّ الجسم هو أيضا عار عن المادّة. إذ الأجسام إنّما هي أشياء مركّبة، أمّا الأفعال فليست بمركّبة. والمادّة أيضا إنّما تهب للموجودات الّتي تفعل موضوعا تفعل فيه حين تفعل. إنّها زمن الفعل إنّما تبقى ثابتة، و لاتكون هي نفسها مشاركة في الفعل، وذلك لأنّ الّذي يكون يفعل لا يكون البتّة طلبه في أن يغيّرها. والفعل أيضا ليس فيه اضطرار للانتقال إلى شيء آخر، حتّى يكون مفتقرا لمادّة؛ بل إنّها العلّة الفاعلة الّتي تتغيّر بانتقالها إلى فعل لآخر، وهذه العلّة إنّما هي من يحتاج لمادّة يتعلّق بها فعلها.

فالهيولى إذن هي لا بدّ منها للكيفيّة، والمقداريّة، ومن ثَمَّ فهي لا بدّ منها للأجسام؛ و ليست هي بعبارة فقيرة من كلّ معنى، بل إنّها لموضوع حقيقيّ، وإن كان هذا الموضوع هو لا مرئيّ ولا ممتدّ. ولو لم تكن شيئا ما البتّة، لما كان من مندوحة من أن نبطل وجود الكيفيّات والمقداريّة. لأنّها هذه الأشياء إذا أُخِذَتْ في ذاتها، فلا نسبة لها البتّة إلى الوجود؛ ولكن هذه الأشياء لهي موجودة، وإن كان وجودها وجودا مظلما، فبطريق أولى أن تكون الهيولى موجودة أيضا، إلاّ أنّها ليست نيّرة كنور الأشياء المدركة بالحسّ. فلايقع عليها لا بصر، لأنّها عارية عن اللّون، و لا يقع عليها سمع، لأنّها فاقدة للصّوت، و لايقع عليها لا ذوق، و لا شمّ ولا لسان. بل عسى أن يكون اللّمس ممّا يقع عليها ؟ كلاّ البتّة، وذلك لكونها ليست بجسم؛ أمّا اللّمس فهو لا يقع إلاّ على ما هو جسم، وهو إذ يدرك الجسم، فهو قد يدرك فيه الكثافة والتّخلخل، والرّطوبة والجفاف؛ لكنّه هو لا يوجد مثل هذه الأشياء في الهيولى. بل إنّما الهيولى لا يقع عليها إلاّ تعقّل لا يكون أصله العقل، وإنّما تعقّل يكون فقيرا من المثل، نطلق عليه اسم " التّعقّل اللّقيط ". إنّه لا نسبة لها البتّة للجسميّة. إذ أنّ الجسميّة بما هي صورة مغايرة لها، إنّما هي معنى آخر غير معناها هي. ولكن هذه الجسميّة بما هي مشتملة على الهيولى، فهي مختلطة بها، وتكون ظاهر الكون جسما، وليست هيولى بِمُجَرَّدِهَا.

13. أفليس الموضوع إنّما هو كيفيّة مشتركة بين كلّ عنصر عنصر ؟ فنجيب : أوّلا إنّه يجب أن نبيّن أيّ كيفيّة هذه الكيفيّة، وأيضا أن ندلّ أنّى لكيف أن يكون موضوعا، وأنّى لهذه الكيفيّة أن توجد في شيء لا ممتدّ، وهي نفسها عارية عن المادّة والامتداد ؟ ولو كانت هذه الكيفيّة كيفيّة متعيّنة، فأنّى لها أن تكون هيولى ؟ أو كانت لا متعيّنة، فما نبحث عنه حينئذ لن يكون البتّة كيفيّة، وإنّما الموضوع والمادّة. وقد نقول : أمّا لو كانت المادّة عارية عن الكيف، لأنّها بما هي هي، فهي لا تشارك البتّة الكيفيّة، فأيّ مانع يمنع من أنّ نفس هذه الخاصيّة أي خاصيّة اللاّمشاركة من جهة ما الهيولى هي هيولى، في كيفيّة من الكيفيّات، أن تكون لها بنحو الخاصيّة الّتي تكيّفها وتميّزها، أي بنحو عدم الكيفيّات. لأنّه عدم الشّيء، إنّما نفسه هو اتّصاف بكيف ما؛ فمثلا أن يعدم البصر هو أن يكون أعمى. فلو كانت الهيولى بها عدم، لكانت إذًا مُتَكَيِّفَةً بكيف. فإن صحّ بأنّ العدم هو كيفيّة، فإنّه إثباتنا هذا لمَِنْ شأنه أن يزداد صدقا كلّما صحّ وجوده في الكلّ. إنّ هذا الاعتراض إنّما أقلّ ما فيه أنّه قد جعل من كلّ شيء كيفا وكيفيّات؛ وعلى هذا فإنّ الكمّ كان سيكون كيفا، والجوهر كان سيكون كيفا أيضا. أفما نعلم أنّما الشّيء يكيّف إذا كان به كيف ؟ لِذَا فإنّه لمن سخف العقل أن ننسب لموجود ما كيفيّة، ما لم يكن مشتملا هو نفسه على كيف. ولمجيب أن يجيب : ولكن أن يكون الشّيء غيرا إنّما هو كيفيّة له. فنردّ : إنّه إن كان الغير غيريّة في ذاتها، فهو لا يجوز أن يكون مكيّفا، لأنّ الكيف لا يُكَيَّفُ. أمّا لو كان هو غيرا ليس غير، فلن يكون بنفسه هو غيرا، وإنّما بحصول الغيريّة فيه، حاله في ذلك حال كونه هوهو، فهو إنّما بحصول الهويّة فيه إنّما يكون هو هو. وأنت تعلم أنّ العدم لا هو بالكيف، ولا بالمكيّف. وإنّما ارتفاع كيفيّة ما معيّنة، أو ارتفاع كلّ كيفيّة من الكيفيّات. فالصّمت مثلا، هو ارتفاع الضّجيج؛ فالعدم هو سلب؛ والكيّفية إنّما هي شيء محصّل. فالصّفة المخصوصة بالهيولى هي أن تُسْلَبَ الصّورة عنها. إذ الهيولى لكونها غير ذات كيف البتّة، فهي عارية عن الصّورة البتّة. لذلك فمن الشّنع أن نعدّ ارتفاع كلّ صفة من الصّفات عنها بأنّه كيفيّة لها. مثلما هو من الشّنع أنّ نقول عنها بأنّها ممتدّة لكونها نفسها هي غير ممتدّة. فالصّفة الخاصّة بالهيولى لا يمكن أن تكون إلاّ نفس وجودها؛ إنّها لا يمكن أن تكون صفة من الصّفات، بل هي عين علاقتها بسائر الأشياء؛ أي أنّ الهيولى هي نفس كونها غير سائر الأشياء. وسائر الأشياء ليست هي فحسب كونها أغيارا، بل إنّ كلّ واحد منها لمشتمل أيضا على صورة له محصّلة. أمّا الهيولى، فغاية ما قد نقول فيها، هي أنّها غير، أو قد نختار لفظ الجمع أغيارا حتّى ندلّ فيها زيادة تدليل على معنى اللاّتعيّن، واحْتِرَازًا من أن نقترب بها إلى التّعيّن زيادة اقتراب إن استعملنا اللّفظ المفرد.
14. بل عسى أن تكون الهيولى عدما، أو أن يكون العدم موجودا فيها. هناك رأي كان يرى بأنّ الهيولى والعدم في حقيقتهما هما شيء واحد، ولا يختلفان إلاّ في معنييهما. إلاّ أنّ هذا الرّأي هو مُلْزَمُ بأنّ يشرح لنا كلّ واحد من المعنيين، وأن يحدّ الهيولى من غير أن يأخذ معنى العدم، وبالعكس. لأنّه إمّا أن يكون لا واحدا من المعنيين يقتضي معناه المعنى الآخر، وإمّا أن يكون كلّ منهما إنّما يقتضي معناه المعنى الآخر، وإمّا أن يكون معنى واحد ممّا يلزم فيه ذاك. فإن صحّ أنّ كلاّ من المعنيين لا يقتضى الآخر، فإذًا الهيولى والعدم يكونان شيئين مختلفين، وإن وُجِدَ العدم عرضا في الهيولى؛ فيلزم ألاّ واحدا من المعنيين يُأْخَذُ في حدّه الآخر، ولو بالقوّة. وإمّا أن يكونا كالأنف الأفطس للأفطس، فيكون كلّ واحد منهما مضاعفا، وكلّ واحد منهما يدلّ على أمرين مختلفين. وإمّا أن يكونا فيما بينها كالنّار والحرارة؛ فالحرارة موجودة في النّار، لكنّ النّار ليست تلزم من كلّ حرارة؛ فيصحّ إذًا كون الهيولى هي نفس العدم، مثلما النّار هي حارّة، أي أنّ العدم إنّما يكون للهيولى بنحو الصّورة. ولكنّ محلّ هذه الصّورة الذّي هو الهيولى إنّما بالاضطرار هو مغاير لها. فإذًا، عند هذا الرّأي أيضا، ليس الهيولى والعدم بحقيقة واحدة. بل عسى أن يكون هذا الرّأي الّذي نحاججه ( أي الرّأي الّذي يقول بوحدة العدم والهيولى في الطّبيعة، واختلافهما في المعنى)، إنّما كان يبغي القول بأنّ العدم ليس يدلّ على حصول شيء، وإنّما يدلّ على ارتفاعه. فالعدم شبيه بالسّلب. إذ نحن إذا قلنا " ليس " فإنّ هذا السّلب لا يضيف البتّة صفة من الصّفات؛ وإنّما غاية ما يفعل أنّما يثبت أنّ شيئا ما غير موجود. إنّ عدم صفة ما، هو في قوّة لا وجود؛ فإن أُرِيدَ بلا وجود الّذي هو غير الوجود، اختلف إذا معنى الهيولى ومعنى العدم؛ إذ أنّ الهيولى إنّما تدلّ على محلّ، والعدم يدلّ على علاقة ذلك المحلّ بسائر الأشياء. أمّا لو كان معنى الهيولى هو كذلك مضافا لسائر الموجودات ( لأنّ معنى المحلّ هو نفسه مضاف للأشياء الّتي هو محلّ لها)، وكان معنى العدم إنّما يدلّ على لا تعيّنيّة هذه الهيولى، كان يكون لا محالة قد أصاب الهيولى. لكنّه حينئذ، فالوحدة الجوهريّة، كما كان قد بان آنفا، إنّما تكون تساوقها اختلاف في المعنيين الاثنين. أمّا لو كان العدم هو نفس الهيولى، للاتعيّنه، ولتعرّيه عن الصّفات، فأَنَّى لنا حينئذ أن نضع تفرقة بين معنييهما الاثنين ؟

15. فبقي إذًا أن نفحص فرض كون اللاّنهاية واللاّتعيّن كلاهما يوجدان بالعرض في المادّة وجودا غريبا عنها. أي كيف هما عرضان لها، وهل العدم هو عرض للمادّة.

إنّه إذا كان العدد، وكلّ نسبة نسبة عدديّة، إنّما يوجد خارج اللاّنهاية ( وذلك لأنّ سائر الأشياء إنّما تستعير ما لها من حدّ ونظام من العدد والنّسبة العدديّة؛ فهو ليس التّرتيب نفسه الّذي ينظّم، بل إنّ الّذي نال النّظام هو غير الّذي يبسطه؛ أي أنّ الّذي ينظّم إنّما هو النّهاية، والحدّ، والنّسبة العدديّة)، و إذا كان الأمر كذلك، فلامحالة ما يكون موضوع النّظام والتّرتيب، إنّما هو اللاّنهاية. لكنّه ما يكون موضوع النّظام والتّرتيب إنّما هو الهيولى، وسائر الأشياء كلّها الّتي وإن لم تكن هي نفسها هيولى، فإنّها مشاركة لها أو بمنزلتها. فإذًا المادّة هي نفس اللاّنهاية؛ و ليست لانهاية بالعرض، ولأنّ اللاّنهاية موجود فيها بالعرض. فأوّلا، ما يُحْمَلُ على موضوع إنّما هو علّته الصّوريّة. لكنّ اللاّنهاية هي ليست بعلّة صوريّة. وأيضا، فليت شعري لأيّ ضرب من الوجود كانت اللاّنهاية ستكون صفة بالعرض ؟ فإمّا أن تكون لنفس الحدّ، وإمّا لمحدود ما. لكنّ الهيولى هي ليست لا حدّا و لامحدودا. وبِأَخَرَةٍ، فاللاّنهاية إن تُضَمُّ إلى المحدود، فلا محالة هي مفسدة لطبيعته. فيتقرّر من كلّ هذا أنّ اللاّنهاية ليست بعرض في الهيولى، وإنّما هي عين الهيولى.

وكذلك في عالم العقل، فإنّ الهيولى هي اللاّمحدود. واللاّمحدود هناك إنّما يحدث عن لا نهاية الواحد، وذلك إمّا بقوّته اللاّمتناهية، وإمّا لأزليّته اللاّمحدودة؛ ولكن لا نظنّنّ أنّ هذه اللاّنهاية هي توجد في الواحد، وإنّما الواحد هو الّذي يبدعها. وإن طلبنا كيف ذلك، فالجواب : إنّ اللاّنهاية إنّما توجد في العالمين الاثنين، عالم المعقول، وعالم الحسّ، إذ هو يوجد لامتناهيان اثنان. ولسائل أن يسأل : وكيف التّفرقة بينهما ؟ فالجواب : إنّه يُفَرَّقُ بينهما، تفرقتنا المثال عن صورته. وقد نعاود بالسّؤال : أفتكون اللاّنهاية في العالم الأسفل أقلّ لا نهايّة من الأخرى ؟ نعم؛ فعلى قدر نَأْيِ الصّورة من الموجود الحقيقيّ، يكون فيها زيادة قدر من اللاّنهاية. إذ كلّما قل الحدّ في شيء، زادت لا نهاييّته. وكلّما نأى الشّيء عن الخير، قرب من الشرّ. فبالحريّ إذًا أن نَعُدَّ اللاّنهاية الّتي في العالم الأعلى اللاّنهاية الصّورة؛ فهي أقل لانهاييّة من التّي في العالم الأسفل. إذ هذه اللاّنهاية كلّما نأت عن الموجود الحقيقيّ، ارتكست في الصّورة، وكانت لا ناهييّة حقّ الكينونة. فعسى إذًا أن تكون اللاّنهاية هي هي جوهر اللاّنهاية. إنّه حيثما تكون العلّة الصوّرية مغايرة للهيولى، تكون اللاّنهاية مغايرة لجوهر اللاّنهاية. وحيثما لا يوجد إلاّ هيولى، كانت اللاّنهاية هي هي جوهر اللاّنهاية. لأنّ الماهية إنّما هي علّة صوريّة. وإنّه لايوجد البتّة علّة صوريّة في اللاّنهايّة ما كانت اللاّنهاية لا نهايّة حقّ اللاّنهاييّة. فالهيولى إنّما بذاتها هي لا نهاية، وهي هيولى بما هي ضدّ العلّة الصّوريّة؛ أمّا العلّة الصّوريّة فهي علّة صوريّة ليس غير. وأيضا فالهيولى، لكونها إنّما تضادّ العلّة الصّوريّة بلانهييّتها، وهي هيولى ليس غير، فقد حُقَّ أن ينطلق عليها اسم اللاّنهاية.

16. ولسائل أن يسأل : بل لعلّ الهيولى هي نفس الغيريّة. كلاّ، إنّها ليست بنفس الغيريّة، وإنّما هي نفس تلك البضعة من الغيريّة الّتي تضادّ الموجودات الحقيقيّة، أي العلل الصّوريّة. فاللاّوجود بهذا المعنى، هو شيء ما. إنّه نفس العدم، لأنّ العدم هو يضادّ موجودات العلل الصّوريّة. أالعدم إذًا لا يبطل إذا اتّصل بما هو عدم له ؟ إنّه لا يبطل البتّة؛ فقابلة الصّفة هي ليست الصّفة، بل العدم، حالها حال قابلة النّهاية هي ليست ذا النّهاية والمحدود، بل اللاّنهاية بما هي لا نهاية. ولكن ليت شعري، كيف المحدود إذا اتّصل باللاّنهاية، أبطل طبيعتها. ذلك لأنّ اللاّنهاية هي ليست بالعرض لا نهاية. فلو كانت لانهاية في الكمّ لكانت قد أبطلت طبيعتها. لكنّها هي ليست لا نهاية في الكمّ؛ بل إنّ النّهاية لا تنال أدنى نوال وجودها؛ وإنّما هي تخرج إلى الفعل ما بالقوّة في طبيعتها، وتكمّلها؛ فاللاّنهاية إذًا لهي بمنزلة أرض لم تبذر حين بذرها. والأنثى إذا ألقحها ذكر، فإنّها لا تفقد طبيعتها بما هي أنثى، بل تزداد كمالا فيها. ولسائل أن يسأل أيضا : أفتكون إذًا الهيولى إنّما هي الشرّ، وإن كانت تشارك الخير. نعم، وذلك لأنّها إنّما توجد فقيرة للخير. فالوجود الّذي يفتقر لشيء، ويكون مشتملا عليه، إنّه ظاهر أنّه قد يوجد في الوسط بين الخير والشرّ، إن كان ينزع على السّواء إليهما الاثنين؛ أمّا ما لا يملك شيئا، ويكون هو عين الفقر، فلا محالة إنّما يكون الشرّ نفسه. وما الهيولى إلاّ الفقر، ليس الفقر إلى ثراء مال، ولا فضل قوّة، بل إنّها الفقر إلى الحكمة، والفضيلة، والجمال، والصّورة، والكيف. وأنّى لها ألاّ تكون إلاّ قبيحة غاية القبح، ومشوّهة غاية التّشويه، وشرّيرة غاية الشّر. أمّا الهيولى المعقولة فهي وجود؛ لأنّه يتقدّمها ما يوجد فوق الوجود. أمّا في عالم الحضيض، فالهيولى يتقدّمها الوجود؛ فإذًا هي ليست الوجود، لِمَكَانِ أنّها تغاير الوجود، وتوجد وجودا أخسّ من الوجود.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ahmed-chahen.yoo7.com
 
التاسوعية الثانية لافلوطين فى الهيولاتين - نشرت بتاريخ : 28-3-2011
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التاسوعية الاولى لافلوطين فى الحسن - نشرت بتاريخ : 28-3-2011
» 27 مايو 2011 - التوقع الفلكى لجمعة الغضب الثانية---؛ نشرت بتاريخ : 26-5-2011
» الحلقة الثانية من : تاريخ آل سعود الدموى واصلهم اليهودى - نشرت بتاريخ : 11-8-2011
» اعادة لتوقعاتى : للمغرب والسعودية والاردن والتى نشرتها بتاريخ 26-9-2011 على نفس المدونة- نشرت بتاريخ : 17-10-2011
» اغتيال بشار الاسد وموت حسنى مبارك قبل الحكم عليه واهتزاز البنية التحتية لمصر وعصابات المافيا تحتل مصر وتفاقم الصراع مع الاخوان المسلمين ووفاة الملك عبد الله وانتصار ثورة البحرين الثانية وبركان مدمر بامريكا --الخ - نشرت بتاريخ : 24-8-2011

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نوستراداموس العرب :: مواضيع عامة :: مواضيع عامة لاتخص الفلك او التنجيم-
انتقل الى: